خارج الصندوق

تساؤلات

تصغير
تكبير

مع النبض المتسارع للعالم والتطور بل التفجر التكنولوجي الحاصل في محيطنا، المتزامن مع وجود مسؤوليات وظيفية اجتماعية أُسرية عائلية والتزامات مادية، كل ذلك يجعل الإنسان بين كفتين، قلما أجد برأيي من يقيم العدالة بينها إلا مدعياً أو واهماً، وأنا لست بحاجة بيّنة على من ادعى ولا يمين على من أنكر.

أحيل ما لديّ من تساؤلات أزعجتني حيناً وتجاهلتها أحياناً، لنفسي أولا وللكتّاب ثانياً والمثقفين ثالثاً، ولكني قبل التساؤل أعطي فرصة من المعطيات كالمسائل الحسابية والرياضية، مع ما يحدث عالمياً ومحلياً وما ينهض حضارياً وما يسقط أخلاقياً وما يقوم وما ينهار اقتصادياً، وما يحلل وما يبرم سياسياً، وما يستجد اجتماعياً، وما يدرك عقلياً ويجسد فنياً وما يشار إليه فكرياً وما يغض النظر عنه معرفياً؛ هل دور الكاتب أن يجري لهثاً وراء كل تلك الأحداث والمناسبات والفعاليات والأزمات ويتقلب بينها برشاقة وخفة بين موضوع وآخر وحادثٍ ومستجداته، مشيراً إلى كل مشكلة وأزمة، مهملاً بذلك وقته الخاص للاطلاع والقراءة وثقافته الشخصية الحرة التي تجعل منه كاتباً وأن يكون إنساناً قبل أن يكون كاتباً؟

وهل إذا تطلع إلى مشكلةٍ وآثارها وأشار إلى قضية وتكلّم عنها يجب أن يضع لها حلاً أم الحل ليس دوره بالضرورة؟ وهل عليه أن يواكب آخر المستجدات الإقليمية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وحزبياً؟ وهل يجب عليه تجاه المجتمع أن يتكلّم بكل ما يظنه المجتمع من الأولويات التي لو تناولها لن يغيّر فيهم شيئاً رغم ظنهم بأنه يكتب لأجلهم وظنه بأنهم يقرأون؟

كذلك هل دور الكاتب أن يتناول بعشوائية كل ما وجده مجالاً ليكتب به كلمتين ويسد فراغ الغياب عن حضوره الصوري في عالم اللا وجود؟ أو يتناول ما يراه مجالاً جيداً يستطيع أن يثير عقل قارئه ويتناول أفكاراً تهمه هو على الصعيد الشخصي من قلبٍ مؤمن بما يقول وعقلٍ مقتنع بما فكر به؟

وكيف له أن يأخذ حاجته من العزلة التي لا تقصي أفكاره وتؤخره عن ركب المجتمع المنطلق نحو اللا نهاية بلا نقطة ابتداء ولا تحديد هدف ولا نقطة وصول؟

أعتقد أن الكاتب يحتاج إلى عزلة ليست بالدائمة وإن دامت فهي عزلة عما يعكر صفو الفكر والإيمان بما وقر في قلبه تجاه ما يلج في خاطره من مواضيع يريد تناولها، يقرأ حيناً يفكر حيناً يناقش حيناً، يتواصل مع المجتمع حيناً لكي لا يكون رجعياً يتقادم عليه الزمن فلا وادياً قطع ولا ظهراً أبقى، بل يحسن إدارة عزلته ويوزن فيها بين الوصل والانعزال ليكونا جناحي فكره وطرحه ويسهل عليه مخاطبة المجتمع بلغته.

وهذا الذي أقوله ليس توجيها لأحد ولا رأياً لمثقف ولا منهجاً لكاتب ولا توجيهاً لقارئ، لأني أنا لا أحسن ضبط الميزان بين حاجتي للانعزال وبين إدراك ما فاتني من ركب التطور، وهو بالنهاية تساؤل كتبته لأضمه إلى قائمة ما يتناوله زملائي الكتاب في كتاباتهم التي لن تجد لها عيناً واعيةً لتكون لي كالقرص المسكن الذي أشرب عليه حسواتٍ من ماء وأريح بها عقلي الذي ثار فكرياً ولن يجد منصتاً ولم يُسمع سامعاً.

[email protected]

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي