بمناسبة الذكرى السنوية الثانية لواقعة «طوفان الأقصى»، نشر الكثير من الصحف العالمية مقالات تحليلية حول الواقعة، كان من بينها مقال تحليلي نُشر في المجلّة الإخبارية Foreign Policy، بعنوان «أحداث السابع من أكتوبر غيّرت إسرائيل في جانبين، وأبقت جانباً من دون تغيير»، كتبه David Rosenberg مُحرّر الشؤون الاقتصادية في المجلّة، كاتب عمود في النسخة الإنكليزية من صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، مؤلف كتاب «اقتصاد التكنولوجيا في إسرائيل».
تفاجأت بدرجة موضوعية الطرح والتحليل في المقال، ثم بما خلص إليه. ولكن قبل عرضه، لابد من استعراض مقتضب للجوانب الإسرائيلية الثلاثة (المشار إليها في عنوان المقال)، التغييران والثابت.
التغيير الأول تمثّل في استيلاء اليمين المتطرف على الدولة، كنتيجة مباشرة وغير مباشرة لاستمرار اعتماد نتنياهو المطلق على مقاعد اليمين المتطرف الـ 14 في الكنيست للبقاء في السلطة، ومنحه وزراء اليمين المتطرّف حرية شبه مطلقة لمواصلة سياساتهم دون عوائق.
يرى الكاتب أن إسرائيل خاضعة اليوم لسيطرة سياسيين ونشطاء متطرفين، كثير منهم يعيشون في مستوطنات. ومن بينهم خمسة أعضاء في حكومة نتنياهو (المكوّنة من 21 عضواً)، وسكرتير مجلس الوزراء، والسفير الإسرائيلي في واشنطن، والرئيس الجديد لجهاز الأمن الداخلي (الشاباك)، وقاضيان في المحكمة العليا (من أصل 11 قاضياً).
وحتى الجيش الإسرائيلي، رغم أن قيادته العليا لا تزال علمانية، إلّا أن اليمين المتطرف يتمتع بتمثيل كبير ومتزايد بين ضباط الجيش.
ويعتقد الكاتب أن الساحة الأوضح لنفوذ اليمين المتطرف هي الحرب نفسها. فما بدأ كعملية لمعاقبة وهَزْم «حماس» وإنقاذ الرهائن، تطور تدريجياً إلى غزو لإعادة احتلال قطاع غزّة، وإبادة وطرد سكانه الفلسطينيين، وإعادة بناء المستوطنات التي أُخليت عام 2005...
وبالنسبة للتغيير الثاني، يرى الكاتب أن حروب إسرائيل الأخيرة أدّت إلى اعتمادها على الولايات المتحدة، بشكل غير مسبوق، محفوف بالمخاطر. فلم يكن بإمكان إسرائيل أساساً خوض هذه الحروب، لولا المساعدات المالية الأميركية البالغة 22 مليار دولار والكمّيات الهائلة من الأسلحة والذخيرة الأميركية التي شُحنت إلى إسرائيل.
هذا الدعم الذي اقترن في كثير من الحالات باشتراط الحصول على الموافقة الأميركية قبل البدء في تنفيذ وتوسيع العمليات العسكرية. وهذا الاعتماد الخطير تفاقم أكثر بعد تنامي العزلة الدولية على إسرائيل.
وأما الجانب الإسرائيلي الثابت، ولعلّه الجانب الأهم، فهو فشل السياسيين المتطرفين في استغلال صدمة «طوفان الأقصى» برلمانيّاً. حيث أظهرت استطلاعات رأي حديثة، أنه لو أجريت الانتخابات هذه الأيّام، فإن الحزبين اليمينيين المتطرفين (حزب الصهيونية الدينية وحزب عظمة يهودية) سوف يحصلان على 12 مقعداً في الكنيست، متراجعين عن مقاعدهم الحالية الـ 14، التي حصلوا عليها في انتخابات 2022.
بل ان حزب الصهيونية الدينية قد لا يحصل على ما يكفي من الأصوات لدخول الكنيست، علما بأن النسبة الأدنى من أصوات الناخبين لدخول الحزب (القائمة) إلى الكنيست هو 3.25 %.
وأكّد الكاتب أن تراجع شعبية الحزبين اليمينيين المتطرفين، لا ينفي تلاشي ما كان موجوداً من دعم لحل الدولتين، في إسرائيل قبل «طوفان الأقصى». ولا ينفي أن جزءاً كبيراً من العنف في حرب غزّة كان مدفوعاً بمشاعر الانتقام من «حماس».
واستبعد الكاتب في ختام مقاله نجاح خطة ترامب في فرض السلام - رغم أنها أفضل وعد حتى الآن لإنهاء الحرب في غزة - لأنه يعتقد أن لدى نتنياهو وحماس مصلحة مشتركة في إفشال الخطّة.
وخلص الكاتب إلى أنه إذا كان هناك أي أمل في إنهاء إستراتيجية إسرائيل المتسرعة في اللجوء إلى الخيار العسكري، وإنها استيلاء اليمين المتطرف على الدولة، فسيأتي ذلك من خلال الانتخابات الإسرائيلية المقبلة...
اللهم أرنا الحقّ حقّاً وارزقنا اتّباعه.