في المقال السابق، أوضحت أنه ينبغي تجنّب تبنّي شرائح استهلاك الكهرباء مُوحّدة على جميع البيوت في الكويت، لأنها لا تصون مبدأ العدالة بين المستهلكين مُلّاك البيوت. فالواقع المحلّي يؤكّد أن مجاميع من المستهلكين المُرَشِّدين من ذوي الدخل المحدود سوف يُحاسبون خلال أشهر الصيف، وفق شرائح مُصمّمة أساساً لتحميل المسرفين والمقتدرين تكلفة أعلى من سواهم.
شرائح الاستهلاك الموحّدة على البيوت تُناسب التجمعات السكّانية المتجانسة في مبانيها وقاطنيها. ولكن البيوت في الكويت متفاوتة كثيراً من حيث الكفاءة الحرارية للمباني، ومن حيث عدد الأفراد والأسر في البيت الواحد، ومن حيث العلاقة بين مساحة البناء ومستوى دخل المالك.
فعلى سبيل المثال، نجد أن في ضاحية عبدالله المبارك (منطقة سكنية جميع مبانيها حديثة – بكفاءة حرارية جيدة – وجل قاطنيها من ذوي الدخل المتوسّط) أقصى استهلاك يومي في البيت الواحد متفاوت كثيراً، ضمن مدى واسع من 600 كيلو وات ساعة تقريباً إلى أكثر من ضعفه، إلى قرابة 1500 كيلو وات ساعة.
لذلك، عدد من الدراسات العلمية حول إصلاح تعرفة الكهرباء في الكويت أوصت باستغلال نسبة أو كامل الوفورات المالية المتوقّعة من إصلاح التعرفة لصالح فئات أو جميع المستهلكين، أو لتمويل تنفيذ تدابير ومشاريع زيادة كفاءة الطاقة في المباني، أو لتمويل البنية الرقمية لمنظومة ترخيص تمديدات الكهرباء ومنظومة تعرفة كهرباء مرنة ومحفزة للترشيد، أو لصالح مزيج من بعض أو كل ما سبق.
من بين الدراسة الرائعة حول إصلاح تعرفة الكهرباء في الكويت، تلك الصادرة العام الجاري عن معهد بيكر للسياسات العامة بجامعة رايس الأميركية، المعنونة «الآثار المشوّهة لانخفاض أسعار الكهرباء في الكويت وضرورة الإصلاح العادل»، التي تشارك في إنجازها الدكاترة أسامة الصايغ وJim Krane وسالم الحجرف.
جاء في هذه الدراسة، أن مشاريع إصلاح تعرفة الكهرباء ينبغي أن تحقق ثلاثة شروط: أن تكون تدريجية تمتد بين ثلاث إلى خمس سنوات، وتحمي أصحاب الدخلين المحدود والمتوسّط. وتقترن بإجراءات حكومية لتقليل التأثير التضخمي لأي زيادة في تعرفة الكهرباء على المنتجات والخدمات الأخرى المقدمة في السوق المحلية.
الشاهد أن إصلاح تعرفة الكهرباء في الكويت عملية معقّدة جدا، ذات أبعاد متعدّدة متداخلة، وردت بموضوعية في الدراسة أعلاه. لذلك أنصح القائمين على مشروع إصلاح التعرفة الاطلاع على الدراسة قبل إقرار المشروع.
وبناء على هذه الدراسة، ودراسات علمية أخرى في الشأن ذاته، أوصت دراسة علمية حديثة – لم تنشر بعد – تبنّي منظومة مرنة لتعرفة استهلاك الكهرباء في البيوت، توظّف برمجيّات محاكاة استهلاك الكهرباء في المباني لتقدير الاستهلاك (الشهري والسنوي) الرشيد في كل بيت على حدة، لتنتج منها شرائح استهلاك الكهرباء لكل بيت على حِدة، بناءً على نسب موحّدة، تحددها وتحدّثها لجنة من المختصين في علوم الاجتماع والاقتصاد وحفظ الطاقة في المباني
لا شك أن الجهد المطلوب للمحاكاة كبير، لأن عدد البيوت في الكويت يقارب 170 ألف بيت. ولكن هذا الجهد من جانب ضروري، ومن جانب آخر قابل للتخفيض كثيراً.
لدينا على الأقل ثلاثة مسارات ناجعة لتخفيض الجهد والوقت المطلوبين. المسار الأوّل خاص بتسهيل وتسريع تشييد البيوت الافتراضية في فضاءات برمجيات المحاكاة. ومن بين تطبيقاتها استخدام النسخ الالكترونية (بصيغة تبادل الرسومات (DXF) من المخططات المعمارية للبيوت، المحفوظة لدى المكاتب الهندسية التي صممّت البيوت. والتطبيق الثاني يتمثّل في تزويد برمجيّات المحاكاة بقوالب تعريف «التشكيلات الشائعة من الجدران والنوافذ وغيرهما من مكوّنات الأغلفة الخارجية للبيوت الكويتية» و«البرامج الزمنية السائدة لإشغال البيوت».
والمسار الثاني خاص بتسريع الحصول على نتائج المحاكاة الرقمية، ومن تطبيقاتها اعتماد برمجيات قادرة على إجراء المحاكاة وفق Conduction Transfer Function (CTF).
والمسار الثالث خاص بتوظيف وإحلال الذكاء الاصطناعي (مثل الشبكات العصبية الرقمية (Neural Networks)) جزئياً أو كلياً محل برامج المحاكاة الرقمية.
بغض النظر عن قرار وزارة الكهرباء والماء والطاقة المتجدّدة في شأن منظومة التعرفة المقترحة، ينبغي أن تستعجل الوزارة وقف وإنهاء الاعتداد (ضمن إجراءات الترخيص عبر إدارة شبكات التوزيع الكهربائية) بالتقديرات المتهوّرة (المُحصّلة بالمنهجية غير الدقيقة السائدة في الكويت) لسعات التبريد والأحمال الكهربائية لأجهزة التكييف في البيوت المُراد بناؤها. وعوضاً عنها، تشترط الوزارة على المكاتب الهندسية تسليم تقديرات معتبرة لمعدلات و«فواتير» الاستهلاك الشهرية والسنوية، مُحصّلة عن أحد برمجيّات المحاكاة المعتمدة، وفق الطقس المعياري (TMY) للكويت. حتى تمنح الوزارة وملّاك البيوت فرصة الاطلاع على تكلفة الدعم الحكومي وفواتير الكهرباء، والعمل مع المكتب الهندسي على تخفيضها، قبل بناء البيوت.
اللهم أرنا الحقّ حقّاً وارزقنا اتّباعه.