قيم ومبادئ

هل انتهت الحريات؟

تصغير
تكبير

قبل الجواب بنعم أو لا، يجب تحديد ماهية الحرية التي نعني... فلا نقصد بالحرية، الخروج عن المألوف والقانون وفتح المجال واسعاً أمام الغش والتزوير والكذب ومخالفة الآداب والذوق العام في سبيل الحصول على وضع اجتماعي مرموق أو منصب إشرافي رفيع... وإنما نعني الحرية التي هي إحدى ركائز التكليف وتكوين الأهلية، ولذلك سعى الإسلام، وهو دين الدولة، إلى تحرير الإنسان من الرق الحسي والمعنوي وحماه من الاستغلال...

ولا تجوز مصادرة حرية الإنسان إلا في حدود يبينها القانون... وإنما تقتصر مهمة الدولة على تنظيم مساحات الحرية بحيث لا تتصادم الحريات وتتعارض المصالح.

والحرية الصحيحة هي التحرر من قيود الشيطان ومن قيود النفس الأمّارة بالسوء والناس في الحرية بين إفراط وتفريط فقد تغلف على الإنسان عقله وفكره وبصره وتجعله يدور في دوامة الحزب والتقليد.

أو قد نجد القوانين والتشريعات البشرية تفتح للفرد حرية ما يضره ويفسد حياته مثل الخمور والدعارة والربا تبعاً لمبدأ الغاية تبرر الوسيلة!

وفي سبيل الحرية الاقتصادية أباحوا الحروب وتدمير الشعوب، وفي سبيل الحقوق الشخصية أباحوا الشذوذ والإجهاض... هكذا فلسفة الحضارة الغربية اليوم.

لكن الحرية في الكويت لم ولن ولا تنتهي لجهة هذين الاعتبارين:

الأول، الحرية الإنسانية تراث التاريخ كله من خلال تقليب صفحات أطواره وأدواره وهي ليست عرضاً متقطعاً تُبديه لنا صفحة من التاريخ هنا وهناك ثم تطويه صفحه أخرى تليها إلى غير رجعة!

والثاني، التنظيم لا يعني استهداف الحرية ما دام حكمه سارياً بين الناس على قدم المساواة وما دام سلطان الحاكم فيه مستمداً من إرادة الجميع منصرفاً إلى تدبير الصالح العام، فمثلاً تنظيم أوقات إقلاع ووصول الطائرات لا يؤدي إلى تقييد حرية السفر أو حرية المسافرين بَيْدَ أنه إذا تُرك أصبح فوضى بلا نظام!

ويؤكد علماء الاجتماع أهمية الانتقال من طور إلى طور في نظام الدولة أو حياة الجماعة، ومن دواعي التفاؤل أن نعلم أن هذا الانتقال أوجبته حركة التقدم واتساع نطاق التطبيق، ولم تخلقها نكسة من نكسات التاريخ التي تعوق الحركة إلى الأمام، كما أنها تتماهى مع اتساع العلاقات العالمية والمستجدات المتسارعة...

ومن نتائج هذا النظام الجديد أن تتركب الأوضاع الدستورية في ميدان عالمي بعد انحصارها في حدود كل إقليم وكل أمة من الأمم التي كانت تستغني عن التوفيق بين أحوالها والأحوال العالمية والظروف المحيطة بها.

وسينتهي الشطط في استخدام الحقوق السياسية لا محالة، متى انتهت كل طائفة من الناس إلى حدودها وعلمت أنها عاجزة عن تجاوز هذه الحدود للجور على الطوائف الأخرى أو الزحف على السلطات الثلاث...

ولعلنا في القريب العاجل نصل إلى مرحلة المجتمع المتزن المنتظم ونفرغ من غاشية الحقوق المزعومة التي استفحلت في العصر الحديث حتى أصبح لها وبال لا يقل في خطره عن وبال الظلم والغشم في عصور الظلمات -العصور الوسطى- لأن ادعاء الحقوق لا يقل عن جهل الحقوق في سوء عقباه.

ولما استفحل التزوير في الجنسية كنا نسمع شبحاً يسمى (المجتمع) يتكلم المزورون عنه... شبح مبهم لا ملامح له ولا شيات، هو المسؤول عن كل أحد وعن الترقيات والتعيينات والمناقصات وعن كل شيء... فإذا زال ذلك الشبح المجهول يوماً ما وحلت محله دولة راسخة لها مجلس ودستور وأعضاء ووزراء، فسيدرك الشعب حينئذٍ اضطراراً أن المطالبة بحقوقه في الوقت نفسه مطالبة بالواجبات إذا كان المجتمع المسكين قد تحول من شبح مبهم في الظلام إلى شخص مرسوم تبدو فيه ملامح شيوخه وقبائله وعوائله وطوائفه معروفه تفاصيل جذوره وطاقاته وكفاياته...

بالنهاية هذا مناخ الحرية الذي تتنفس منه الكويت برئة سليمة الهواء النقي. وتأسيساً على ما سبق ورغم ما ينشره المرجفون ودعاة الفتنة، أقول بحمد الله «الخير بقبال والحرية الرشيدة هي غاية كل مواطن ومقيم».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي