رؤية ورأي

شرائح استهلاك الكهرباء لكل بيت على حِدة

تصغير
تكبير

قبل قرابة أربعة أشهر، شُكّلت لجنة برئاسة وكيل وزارة الكهرباء والماء والطاقة المتجدّدة، وعضوية ممثلين عن عدة جهات حكومية، لإعداد دراسة متكاملة لحساب التعرفة المقترحة لوحدتي الكهرباء والماء، مع الاستعانة بمكاتب استشارية في هذا المجال.

يعتقد اختصاصيون في علم الاجتماع، أن الثبات المديد في تعرفة الكهرباء -منذ عام 1966- ساهم في تغيير نمط حياة قاطني البيوت، وحفّزهم على الإسراف في استهلاك الكهرباء. ويؤكّد مهندسون مهتمّون بحفظ الطاقة في المباني أن هذا الثبات المديد أثّر سلباً على كفاءة تصميم وتشييد البيوت في الكويت، وبالخصوص في ما يتعلّق بكفاءة استهلاك الكهرباء، من قبيل التهاون والتقصير في عزل الغلاف الخارجي (كالجدران والأسقف) حرارياً وفق الاشتراطات الواردة في النسخة الأحدث من مُدوّنة حفظ الطاقة في المباني (R-6).

في المقابل، من المنظورين ذاتهما (منظورَي علم الاجتماع والهندسة)، زيادة تعرفة الكهرباء لقطاع السكن الخاص (البيوت) في الكويت مسألة مُعقّدة، بسبب ارتباط هذه الزيادة بأمرين: الارتباط الأوّل بتغيير نمط الحياة السائد في المجتمع، وهذا التغيير بطيء وتدريجي بطبيعته، والارتباط الثاني بتصحيح ممارسات هندسية خاطئة مألوفة في تصميم وتشييد البيوت الجديدة. وبالتزامن معه، بمعالجة العيوب في البيوت القائمة، وهذه المعالجة غالباً مرهقة ومكلفة، لأنها تقترن بترميم البيت جزئياً أو كلياً، وقد تتطلّب هدم وإعادة بناء البيت.

فعلى سبيل المثال، أشارت دراسة نشرت في المجلة العلمية المرموقة Energy and Buildings في عام 2017، إلى وجود فوارق كبيرة بين البيوت القائمة في الكويت من حيث كفاءة العزل الحراري في أغلفتها الخارجية.

وأظهرت دراسة حديثة لم تنشر بعد - وظّف فيها برنامج رقمي مرموق لمحاكاة انتقال الحرارة وتدفق الموائع في المباني - أن التباين في العزل الحراري له آثار جسيمة على استهلاك الكهرباء في البيوت.

وكشفت نتائج الدراسة الحديثة، أن الفارق في استهلاك الكهرباء السنوي تجاوز 50 %، بين بيتين تقليديين متطابقين، يختلفان فقط في مكونات الجدران الخارجية. الأول مستوفي الاشتراطات الواردة في مدوّنة حفظ الطاقة في المباني (R-6)، والثاني جدرانه الخارجية أسمنتية سميكة خالية من عازل حراري.

لذلك، ملّاك البيوت القديمة (التي أغلفتها الخارجية غير معزولة حرارياً) سوف يكونون أبرز ضحايا أي هيكل تعرفة كهرباء مبني على شرائح استهلاك موحدة للبيوت، لأن هؤلاء الملّاك في الغالب من طبقة محدودي الدخل، الذين لا يملكون القدرة المالية المطلوبة لهدم وإعادة بناء بيوت جديدة بكفاءة حرارية عالية. وبالتالي، سوف يحاسبون وفق الشرائح الأغلى (الموجّهة أساساً إلى المسرفين)، وإن اجتهدوا في تخفيض الاستهلاك، بل حتى وإن تنازلوا إلى درجة ما عن راحتهم الحرارية.

وفي ما يتعلّق بنمط حياة قاطني البيوت، أظهرت الدراسة الحديثة ذاتها أن الزيادة في استهلاك الكهرباء الشهري، في كل من شهري ذروة الاستهلاك يوليو وأغسطس، قد قاربت 6 %، نتيجة لتخفيض درجة حرارة الهواء الداخلي المطلوبة من 24 مئوية - المطابقة لدرجة ضبط الثرموستات الواردة في مدونة حفظ الطاقة في المباني - إلى 22 مئوية، وهي من بين درجات الحرارة الشائع اختيارها في البيوت.

وبعد أن تفحّصت مجموعة من العوامل المؤثرة في استهلاك الكهرباء في البيوت، من بينها الطقس الخارجي المرصود في أقرب محطة أرصاد جوّية، خلصت الدراسة الحديثة إلى أن شرائح الاستهلاك الموحدة للبيوت غير مناسبة لأنها لا تراعي مبدأ «العدالة» بين المستهلكين.

وأوصت بتوظيف برمجيّات محاكاة كفاءة استهلاك الطاقة في المباني، كنواة لمنظومة تعرفة استهلاك الكهرباء في البيوت، تُنتج شرائح استهلاك لكل بيت على حدة، مبنية بنسب موحّدة على الاستهلاك الرشيد المقدّر بواسطة برمجيّات المحاكاة، على الأقل خلال الفترة الانتقالية، إلى حين الانتهاء من مراحل الاصلاح التدريجي لتعرفة الكهرباء... «اللهم أرنا الحقّ حقّاً وارزقنا اتّباعه».

[email protected]

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي