ألوان

التراجع الثقافي

تصغير
تكبير

كانت الثقافة الكويتية، إحدى أهم قوى الكويت الناعمة التي استطاعت الوصول إلى شرائح عربية كبيرة لم تصلها العديد من المؤسسات الثقافية العربية العريقة التي سبقت الكويت عقوداً من الزمن.

ولم يأت هذا التميز بمحض المصادفة بل عبر مشاريع ثقافية مميزة تقف وراءها عقول كانت الثقافة وقودها، الأمر الذي أدى إلى حضور الدهشة لدى المثقف العربي قبل رجل الشارع العربي البسيط.

ولم تكن هناك أي أسرار سوى أن الحكومة الكويتية قدمت دعماً كبيراً لتنفيذ بعض المشاريع الثقافية، وفق رؤية ثقافية ثاقبة تقدم كل ما هو جديد ومفيد يساهم في تعزيز درجة الوعي للإنسان العربي.

وإذا استعرضنا أهم تلك المشاريع الثقافية، فهي تتركز في المشاريع الثقافية التي كان ينفذها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب منذ تأسيسه منتصف السبعينات، وقتها كان يدار المجلس من قبل شخصيات ثقافية فذة أمثال الشاعر الراحل أحمد العدواني، الشاعر الدكتور خليفة الوقيان، الكاتب المسرحي عبدالعزيز السريع، شفاه الله، الأديب سليمان الخليفي، وأفضل مدير لمعرض الكتاب العربي هاشم السبتي.

وهناك بعض العقول المحلية والعربية التي ساهمت بدعم تلك المشاريع الثقافية، أمثال الدكتور فؤاد زكريا، صدقي حطاب، الأديب الدكتور سليمان الشطي، والدكتور خالد عبداللطيف رمضان، وآخرين.

وسبقت مجلة «العربي» تلك المشاريع الثقافية، وكانت أفضل مجلة ثقافية عربية شاملة تقدم مادة ثقافية غنية، كما أنها تميزت ببعض المواصفات منذ انطلاقها، كأن تكون كل صفحاتها ملونة، كما أن نوعية الورق المصقول جذبت إليها إعجاب العرب من موريتانيا إلى عُمان.

ولا ننسى أن هناك جمعيات نفع عام ذات طابع ثقافي ساهمت بتقديم تلك المشاريع الثقافية، منها رابطة الأدباء، وجارتها رابطة الاجتماعيين، والجمعية الكويتية للفنون التشكيلية، إضافة إلى الفرق المسرحية الأهلية الأربعة «الشعبي والعربي والخليجي والكويتي»... وكل فرقة كانت تعج بالمبدعين من مؤلفين ومخرجين وممثلين وبقية عناصر المسرح من ديكور وصوت وإضاءة، وبقية العناصر التي منحت الكويت مكانة مسرحية مرموقة، بل إنها حصدت الجوائز في المهرجانات المسرحية العربية.

وكانت المشاريع الثقافية لا ترشح إلا الإبداع في كل مجال من أمسيات شعرية أو مسرحية أو محاضرات ثقافية وكذلك الفنون التشكيلية، حيث كانت اللوحات الفنية المتميزة هي التي يتم ترشيحها للمشاركة، وكذلك الأمر بالنسبة للنحت والخزف، إلى أن جاءت فترة الاحتلال العراقي للكويت... فكان التحرير عام 1991 وتأملنا خيراً، إلى أن وجدنا أنفسنا في حال تراجع ثقافي شامل رغم وجود المبدعين في كل مجال ورغم تطور وسائل التواصل الاجتماعي والإعلامي التي كان ينبغي لها أن تؤدي دورها بتقريب المسافات بين الإبداعات العربية والإنسان العربي...

إلا أننا وجدنا أغلبها يقدم «تفاهات إعلامية» مع تسليط الضوء على الدخلاء منهم... فهل يعقل أن يمثل الثقافة الكويتية، شخص لا يكتب الشعر أو القصة القصيرة أو الرواية أو النقد؟ وأن يمثل الحركة التشكيلية من يرسم معتمداً على البروجكتر؟ وأن تتسلل بعض التيارات الدينية إلى أروقة مؤسسات ثقافية لتفرض نفسها في إطار إعلامي جذاب ينطلي على أنصاف المثقفين، بيد أنه مفضوح لدى المثقف العربي والمتلقي للثقافة الحقيقية.

وإلا فكيف يمثل الكويت في بعض المؤتمرات الثقافية الخليجية والعربية، من لا علاقة له بالثقافة لا من بعيد ولا من قريب، بل إن صداقة ما أو علاقة ما، جعلته عضواً في الجمعية العمومية لجمعية نفع عام، وبعد سنوات قليلة يدخل كعضو مجلس إدارة ثم سرعان ما يكون الشخص الأول ويمثل الكويت في بعض المؤتمرات... ويقول «أنا باق إلى ما لا نهاية».

... ثم سرعان ما لفظته التكتيكات الانتخابية وبات لا يجرؤ على دخول تلك الجمعية لأخذ بريده الخاص.

والسؤال الذي يواجهنا... ما الحل؟ وهو يكمن في تشكيل لجنة من بعض مثقفي الكويت الذين عرف عنهم عدم المجاملة، وهذا أقل ما يمكن أن يسلكه المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، بالتعاون مع رابطة الأدباء وبعض الفنانين التشكيليين المرموقين، لوضع خارطة طريق تنقذ معطيات الثقافة من «كورونا الثقافة» التي نُعاني منها منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمن.

همسة:

كانت الثقافة هوية كويتية... فقدنا جزءاً كبيراً منها.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي