توافقاً مع مضمون تقرير خاص نشرته «الراي»
المركزي اللبناني يحمّل «الدولة» مسؤولية حصرية الأموال المشروعة
استعاد التعميم رقم 170 الصادر عن البنك المركزي اللبناني، والقاضي بحظر تعامل الجهاز المصرفي وشركات الأموال والصرافة المرخصة، مع جمعيات وهيئات محلية خاضعة لعقوبات دولية، وهجه وحضوره في صدارة التداول بفعل تحديث من السلطة النقدية يحصر صلاحيتها بالأجراء التقني البحت، ويلقي بمسؤولية المتابعة على «الدولة والوزارات المعنية».
وتكمن أهمية هذه المسألة الشائكة، بتجاوز موجباتها البعد القانوني للمسؤوليات والاصلاحيات على مستويات سلطات الدولة، لتشكّل مقياساً حيوياً في التقييم الدولي لمدى التقدم المطلوب على مسار التصدي للجرائم المالية وسد منافذ قنوات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والذي لا يقل وزناً في الأهمية والتأثير، وفق ما أشارت إليه «الراي» قبل أيام، عن تتبع خريطة الطريق المنشودة وضمن المهلة المعلنة حتى نهاية العام الحالي، لتنفيذ القرار الإستراتيجي بحصرية السلاح وقرار السلم والحرب لدى الدولة ومؤسساتها الشرعية.
ولم يكن عابراً في مندرجات التوضيح المحدث الذي عممه البنك المركزي أمس، التنويه بأن «أي هيئة أو منظمة خاضعة لعقوبات دولية وليست مرخّصة من مصرف لبنان ولا تخضع لسلطته، فإن دور المصرف في هذه الحالة يبقى محدوداً في الصلاحيات والنطاق. وفي هذه الحالات، تقع المسؤولية كاملةً على الدولة والوزارات المعنية التي تملك بدورها الصلاحيات والإمكانيات للتدخل. في حين أن «أي إشارة عكس ذلك تُعتبر إسناداً لصلاحيات لمصرف لبنان لا يملكها، ولم ينصّ عليها القانون، ولا سيما قانون النقد والتسليف».
وما لم يقله البيان التوضيحي، وردت تعريفاته صريحة بما يكفي في التعميم الأساسي الصادر منتصف الشهر الماضي، والذي قصد بالتسمية الذراع المالية الأساسية المعتمدة من «حزب الله» وهيئات رديفة، حيث تم ابلاغ المصارف والمؤسسات المالية وسائر المؤسسات الخاضعة لترخيص من مصرف لبنان ومؤسسات الوساطة المالية وهيئات الاستثمار الجماعي، بحظر أي تعامل مالي أو تجاري أو غيره، في شكل مباشر أو غير مباشر، كلياً أو جزئياً، مع مؤسسات الصرافة وشركات تحويل الأموال والجمعيات والهيئات غير المرخصة، مثال «جمعية القرض الحسن» و«شركة تسهيلات ش.م.م.» و«شركة اليسر للتمويل والاستثمار» و«بيت المال للمسلمين»، وغيرها من المؤسسات والهيئات والشركات والكيانات والجمعيات المدرجة على لوائح العقوبات الدولية.
وحمل التحديث تحديد القصد في شكل «واضح وصريح»، ولا سيما لجهة منع دخول أي أموال، على نحو مباشر أو غير مباشر، مصدرها هيئات أو منظمات لبنانية خاضعة لعقوبات دولية، ولا سيما العقوبات الصادرة عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأميركي (OFAC)، إلى القطاع المصرفي اللبناني الشرعي. مشيراً في البيان إلى «أن السماح بدخول هذه الأموال من شأنه أن يعرّض علاقات المصارف اللبنانية المراسلة في الخارج للخطر، خصوصاً مع المصارف الأميركية التي تتولى عمليات التحويل بالدولار الأميركي».
وضمن تقرير خاص نشرته «الراي» قبل أيام، تحت عنوان، «لبنان ينهمك بمهمة» حصرية «الأموال المشروعة»، تم التنويه بأن التدابير المحدثة التي اتخذتها السلطة النقدية، ممثلة بحاكمية البنك المركزي، والمستلحقة باقرار الحكومة لمشروع قانون التعديلات الخاصة بمكافحة غسل الأموال، شكلت أسس الانطلاقة المنشودة لتصحيح الانحرافات التراكمية التي أودت إلى بسط سيطرة موصوفة مناطقياً وعملياتياً للأنشطة المالية غير المشروعة والاتجار بالمخدرات والتهريب، واستفادتها في التوسع من انحسار عمليات الوحدات المصرفية التي تلتزم مجمل المتطلبات الدولية في منع مرور الأموال المشبوهة داخليا وعبر الحدود.
ووفق المعلومات التي استقصتها «الراي» من مصادر معنية، فإن الأسابيع المقبلة ستشهد زخماً أقوى في دفق الخطوات التنفيذية والاجرائية والقضائية الكفيلة بمحاصرة ظاهرة الأموال غير المشروعة بمؤسساتها وبوسائلها المعروفة أو المخفيّة، وبما يؤول لاحقاً إلى «حصرية» المبادلات المالية والنقدية ضمن الوحدات المرخصة لدى البنك المركزي (مصارف، شركات مالية، شركات صرافة) والخاضعة حتماً لتعليماته ورقابته وتعاميمه الصادرة عن الحاكم ولجنة الرقابة على المصارف وهيئة التحقيق الخاصة.
كذلك، تمت الإشارة إلى ترقب انشغال اللجان النيابية المختصة، بمناقشة مشروع القانون الذي أقرته الحكومة أخيراً، والمتضمن حزمة تعديلات مهمة على القانون رقم 44 الخاص بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، بما يمهّد لتوسيع مشاركات الوزارات والمؤسسات العامة المعنية في «تبييض» الملف الشائك الذي تسبّب بادراج لبنان، خلال الخريف الماضي، في اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي الدولية (فاتف)، والذي استجر بدوره الإدراج في اللائحة السوداء من قبل مجموعة الاتحاد الأوروبي.