اتجاهات

بكين والعدالة الفلسطينية: دبلوماسية التهدئة وبناء مسار السلام

تصغير
تكبير

تتقدم الصين اليوم بخطاب دبلوماسي يجمع بين الواقعية السياسية والرؤية الأخلاقية، حيث تضع القضية الفلسطينية في قلب مقاربتها للشرق الأوسط باعتبارها قضية عدالة لا يمكن تجاوزها.

فبكين تؤكد باستمرار على أولوية وقف إطلاق النار وضرورة توفير ممرات إنسانية آمنة تمهيداً لتمكين إدارة فلسطينية قادرة على تلبية احتياجات الناس في غزة، وصولاً إلى الحل النهائي القائم على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وفق مبدأ حل الدولتين.

هذه المقاربة لا تنفصل عن دور بكين الأوسع في المنطقة، فقد أثبتت دبلوماسية الوساطة الصينية جدارتها عندما نجحت في رعاية الاتفاق التاريخي بين السعودية وإيران، وهو ما عزز الثقة في قدرتها على هندسة مسارات تهدئة وصياغة حلول سياسية قابلة للحياة.

وفي الملف النووي الإيراني مثلاً، تتمسك بكين بخيار الحوار، معتبرة أن أي تصعيد عسكري لن يجلب سوى مزيد من المخاطر للإقليم بأسره.

بموازاة ذلك، تطرح الصين بعداً اقتصادياً متنامياً بوصفه رافعة للاستقرار من خلال مشاريع البنى التحتية والتصنيع المشترك والربط اللوجستي وهو ما يندرج ضمن مبادراتها الكبرى كالحزام والطريق ويعزز الاعتماد المتبادل بين دول المنطقة وبكين.

كما تنطلق السياسة الصينية من مبدأ ثابت يقوم على احترام سيادة الدول ورفض التدخلات الخارجية، ما يمنح خطابها قبولاً في بيئة تتسم بكثرة الأزمات والتجاذبات.

ومن خلال هذا المزيج بين الدبلوماسية السياسية والدعم الاقتصادي تعرض الصين نفسها، ليس كقوة بديلة بل كشريك موازن يسعى إلى تحويل مسار الشرق الأوسط من ساحة صراع إلى فضاء للتعاون، حيث يصبح السلام نتاجاً لتشابك المصالح وتوازن القوى لا مجرد شعارات موقتة.

في النهاية، يبدو أن الصين قد اختارت أن ترسم لنفسها مساراً مغايراً في الشرق الأوسط، يقوم على دبلوماسية التهدئة وبناء مسارات للحوار وفي الوقت ذاته على تعزيز التعاون الاقتصادي والشراكات التنموية.

وإذا كانت بكين ترى في القضية الفلسطينية اختباراً حقيقياً لعدالة النظام الدولي، فإنها في الوقت ذاته توظف حضورها الدولي ونفوذها الاقتصادي لتؤكد أن السلام العادل ليس مستحيلًا بل يحتاج إلى إرادة سياسية وتوازن في القوى.

وهكذا تقدم الصين نفسها كقوة صاعدة لا تبحث عن الهيمنة أو الاستقطاب بل عن صياغة نموذج جديد للأمن والاستقرار يجعل من العدالة الفلسطينية مدخلاً لإعادة بناء الثقة في المنطقة ومن التعاون المتبادل أساساً لتحويل الشرق الأوسط من ساحة نزاعات إلى مساحة فرص وشراكات.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي