حروف نيرة

الوحدة التي يسكنها العباقرة

تصغير
تكبير

في مجتمع يقدّر التواصل الاجتماعي وتعدد العلاقات، يُطرح تساؤلٌ حول طبيعة الوحدة لدى الأشخاص ذوي الذكاء العالي، وهل هي انعكاس للانعزال أم خيار واعٍ يعزز الإبداع والسعادة؟

نقل أحد الحكماء رؤية عميقة تعكس هذه الفكرة، حين قال: «الأذكياء يستغلون أوقاتهم في تحقيق أهداف بعيدة المدى، ولذلك يختارون فقط الأنشطة التي تقودهم إلى النتائج المرجوة».

هذه الحكمة تؤكدها نتائج دراسة حديثة أظهرت أن الأشخاص الذين يرافقون عدداً محدوداً من الأصدقاء، هم أكثر سعادة وذكاء مقارنة بمن يمتلكون علاقات اجتماعية واسعة.

توضح الدراسة أن الإنسان يحمل في طبيعته ميلاً للحياة الهادئة والبسيطة، مثل حياة القدماء الذين عاشوا في بيئات أقل ازدحاماً وأكثر صفاءً، حيث كان التواصل محدوداً، خفيفاً على النفس...

العقل الذكي يميل إلى الوحدة ليس كعقوبة أو هروب، بل كخلوة ضرورية، حيث يجد صاحب الذكاء في هذه الوحدة مساحة للتأمل وحوار الذات، بعيداً عن صخب الحياة الاجتماعية.

يقول المفكر جبران خليل جبران: «الوحدة ليست انعزالاً عن العالم، بل احتفاء بالذات».

ومما يقال في ذلك: «الوحدة ليست عيباً، إنها شكل من أشكال القوة».

وفي قول آخر: «في العزلة يسمع العبقري صوت نفسه، أما في الزحام فيضيع صوته بين الأصوات».

هؤلاء الحكماء يؤكدون أن الأشخاص ذوي الذكاء العالي لا يميلون إلى الاختلاط الواسع ولا إلى العلاقات السطحية، بل ينسجمون مع أنفسهم بشكل عميق ويحتاجون إلى تواصل محدود لكنه ذو جودة عالية مع من يشابههم فكرياً.

ويشعرون أن الوحدة ليست انعزالاً، بل هي مساحة حرة للعمل والإبداع، وأن الإنسان الذكي لا يرفض الصداقة، لكنه يفضّل جودة العلاقات لا عددها.

وبالفعل نجد أن التنوع في الحاجات الاجتماعية لكل فرد، وخاصة أصحاب العقول المبدعة، ضرورة لفهم تعقيدات طبيعة الإنسان، فاعلم أن صاحب الوحدة ذكي يعيش في سعادة خفية، يعرف الناس بذكائه، ويعاملهم حسب ما يناسب فكرهم.

فليس كل انعزال يدلّ على اضطراب نفسي يستدعي علاجاً، فكلما اقتربت من المنعزل وتفاعلت معه، تبيّنت حقيقته: أهو صاحب ذكاء وإبداع، أم مريض بحاجة إلى رعاية وعلاج؟

aaalsenan @

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي