الزاوية الخضراء

المعادن (1)

تصغير
تكبير

في باطن الأرض مخازن رحبة، معبأة بالمعادن الملتهبة، إلا أنها لا تزود الإنسان العجول إلا بقدر «ولو بسطَ اللهُ الرزقَ لعباده لبغوا في الأرض ولكن يُنزّل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير» (الشورى: 27).

وما فتأت الأرض تفتح راحة يدها تمدنا تتراً من أعماق مخازنها الدفينة بمعادن وكنوز شتى.

حسب المعهد الجيولوجي AGS فإن الصين أبرمت اتفاقا مع أفغانستان لتطوير أحد أكبر مناجم النحاس في العالم الذي اكتشف بين جبال كابول الصامتة وفي وسط القرى المتناثرة بعد حرب ضروس وفقر أسود.

ويعد منجم أيناك ثاني أكبر منجم للنحاس (copper) بعد مناجم تشيلي ورمزه الكيميائي CU، وتقدر الاحتياطيات فيه بنحو 240 مليون طن من خام النحاس. وقد حارت الصين حين دارت رحى معاولها، للآثار والرسوم التي ظهرت في طريقها، تحفاً وجدراناً ورسوماً، جعلت من عملية الاستخراج عملاً تقنياً وأخلاقياً في الوقت نفسه، تشابك فيه الاقتصاد بالوجدان وامتزجت التجارة بتاريخ الإنسان.

النحاس... هذا المعدن العتيق، لم يُخلق بالأمس، بل سكن تاريخنا منذ آلاف آلاف السنين، وقد عرفه الإنسان قبل أن يعرف حتى الحديد. صاغ منه أدواته وأسلاكه ونسج كذلك خياله وأحلامه، إلى أن تغلغل في كل بيتٍ حديث ماراً عبر الجدران كالأوردة والشرايين لتنبض الأجهزة فيه بالحياة.

ولا تعجب فإن سيارتك لا تتحرك وطائرتك لا تحلق ومدينتك لا تضاء ومعلومات كمبيوترك لا تصل وبعض دوائك ومكملاتك الغذائية لا تكتمل بل وماؤك لا ينقى، إلا بنحاس.

إن أيادي التنقيب، إن كانت طاهرة فهي حين تشق الأرض تفتح كنوزها كما تفتح الصندوق القديم، وتقرأ رسالة تركها لها الأجداد برفق وامتنان، أما الأيادي الضالة فإنها تمزقها طمعاً بما في الصندوق فقط من ذهب وتهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد.

لكننا الآن في الزاوية الخضراء نقرر، هل نُخرج من الأرض كنزاً أم نُخرج من بواطننا جشعاً؟

إن للبيئة وجوداً وهي شريك في الحياة، وهي بطبيعتها خضراء إلى أن نقطع عنها أسباب الحياة بأن نسلب بالجشع منها الروح، وإلى اللقاء مع معدن آخر في الحلقة الخضراء المقبلة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي