النوتة الأخيرة... لم تكتمل
في لحظةٍ صامتة ودون مقدّمات، انسحب زياد الرحباني من المشهد، رحل بصمت يشبه صمته حين كان يعزف، بصوت داخلي لا يحتاج إلى جمهور، ولا إلى تصفيق، رحل وترك الباب موارباً على وجع لم نعرفه من قبل، وجع لم يصبنا نحن فقط، بل أصاب وجهاً طالما اعتدنا أن نراه فوق الزمن... وجه فيروز.
ما معنى أن ترحل أنت، ويبقى وجه أمك؟ ما معنى أن تصحو فيروز صباحاً فلا تجد وقع أقدام زياد يسبق القهوة؟... أن تتلفّت حولها، ولا أحد يسألها: «شو فينا نعمل جديد؟»، أو «بدّك تغني اليوم شي؟». هو الذي لم يتصالح يوماً مع الشهرة، ولا مع الفن كسلعة، كان يرى في فيروز الوطن الوحيد الباقي، الوطن الذي يُشبه الموسيقى... لا الحدود.
في انسحابه نحزن لأننا ولأول مرة نرى فيروز وحيدة حقاً، نعم الوحدة ليست غريبة عنها، لكنها هذه المرة جارحة، لأن من كان يرمّمها في الظل...غاب، ومن كان يكتب وجعها قبل أن تقوله... قد غادر.
لم يكن زياد كأيّ فنان، لم يكن طيّعاً، ولا محبوباً دائماً، ولا محسوباً على أحد، كان مثل المقامات حين تخرج عن السطر الموسيقي لتخلق لحناً جديداً، غاب وترك وراءه عشرات من القصائد التي لم تُكتَب، وألحاناً كانت في رأسه ولم تولد بعد، ترك نكاتاً لم يقلها، وترانيمَ كان سيُلحنها لها لتغنّيها بصوت لا يشيخ.
ونحن نتابع تشييع زياد الرحباني، في تلك اللحظة وقفت فيروز أمام نعش ابنها، لا كـ «جارة القمر»، ولا كصوت وطن لا يموت، بل كأم تقف أمام الرحيل الذي لا رجعة منه، لم تبكِ بصوت، لم ترفع يدها، ولم تضع وردة، هي فيروز لكن في تلك اللحظة كانت فقط نهاد، تتأمل وجهاً أحبّته رغم مزاجه وخلافاته وعناد موهبته.
لحظة كانت أول مرة تُدرك فيها فيروز أن الغياب قد يكون أعمق من الموت، وأن الصمت أحياناً...هو آخر أغنية.
نهاية المطاف:
أحياناً نودع ما تبقى منّا