التجويع القاتل: «ستارفوكوست» (Starvocaust)

تصغير
تكبير

تعود كلمة الهولوكوست (Holocaust) إلى أصلٍ يوناني، وتعني «الذبيحة المحروقة»، وقد استُخدمت في اللغة العبرية للدلالة على «التضحية التي تُحرق»، وتحوّلت لاحقاً في الخطاب الغربي إلى مصطلح يُعبّر عن المحارق التي ارتكبها النظام النازي ضد اليهود. الأصل الديني للكلمة يشير إلى الدخان المتصاعد من الأضحية المحترقة، لكنها تطورت لتصبح رمزاً للمجازر الجماعية المنظمة.

اليوم، يمارس الكيان الصهيوني الجريمة ذاتها التي تُتهم بها النازية، ولكن بوجه مكشوف وأدوات حديثة. ففي حين كانت الجرائم النازية تُرتكب في الخفاء بدرجةٍ جعلت البعض يشكك في وقوعها، فإن الجرائم الصهيونية تُنفّذ على مرأى ومسمع من العالم، وبالبث الحي، ليلاً ونهاراً، وبشهادة شرقية وغربية.

الإبادة الجماعية التي ينفذها الكيان الصهيوني اتخذت أشكالاً متعددة، من القصف العشوائي والقتل الجماعي، وتدمير المباني السكنية والبنى التحتية المدنية، إلى استهداف المستشفيات، واغتيال الصحافيين، وقتل الأطباء والمدنيين، وتهجير السكان قسراً، ومنع وصول المساعدات الإنسانية. لكن أخطر ما تمارسه سلطات الاحتلال اليوم هو «سياسة التجويع القاتل»، التي تستحق توصيفاً خاصاً يُوازي ما فعله النازيون - وهو مصطلح «ستارفوكوست» (Starvocaust): المحرقة عبر التجويع الممنهج.

لقد أكدت الأمم المتحدة في تقارير رسمية أن حرمان الفلسطينيين من الغذاء والماء والدواء، يُعدّ شكلاً من أشكال الإبادة الجماعية. كما أوضحت منظمة العفو الدولية ومنظمات حقوقية أخرى أن الكيان الصهيوني يفرض سياسة تجويع جماعي في قطاع غزة، من خلال تعطيل وصول الإمدادات الغذائية والطبية بشكل متعمد، وهو ما يُعد جريمة دولية مكتملة الأركان بموجب القانون الدولي الإنساني.

وبالرغم من هذا، تواصل بعض الدول في الشرق والغرب، تقديم الدعم العسكري والسياسي لهذا الكيان، في مفارقة أخلاقية فاضحة، تفضح زيف الادعاءات الغربية بشأن حقوق الإنسان والديمقراطية.

والسؤال الجوهري هنا: هل يُمكن لأي حكومة في العالم أن ترتكب ما يرتكبه هذا الكيان، وتُكافأ عليه، بل وتُدافع عنها بعض الأنظمة الغربية بكل وقاحة؟! وماذا لو قامت دولة عربية أو إسلامية أو حتى إحدى دول «العالم الثالث» بذات الانتهاكات؟ أليس الرد سيكون مختلفاً تماماً؟ بل عقابياً ومسلحاً وفورياً؟

إن الإجابة لا تحتاج إلى كثير من التحليل غير التأكيد على أن ما يُمارَس هو نفاق سياسي دولي، تديره قوى تغيب عنها القيم والأخلاق متى ما تعلق الأمر بالمصلحة الصهيونية أو بموقع الهيمنة.

من هنا، يجب تكثيف الجهود في فضح هذه الجرائم وتسميتها بمسمياتها الحقيقية، تماماً كما وظف الصهاينة مصطلح «الهولوكوست» لتبرير احتلالهم لفلسطين تحت ذريعة إقامة وطن قومي.

إن الجريمة التي تُرتكب اليوم بحق المدنيين الفلسطينيين - خاصة من خلال الإبادة من خلال التجويع (Starvocoast) تكشف التناقض الأخلاقي العميق في السردية الصهيونية، بحسبان أن من ذاق مرارة إبادة المحرقة، لا يجوز له أن يُعيد إنتاجها على الآخرين!

أما البعض الذين يُراهنون على «السلام» مع هذا الكيان، فهم مخطئون في فهم الواقع. فبالنسبة للكيان الصهيوني، السلام لا يعني الشراكة أو الاعتراف بالحق المتبادل والمشروع، بل يعني الاستسلام، وحرمان العرب من أي فرصة لتحقيق التقدم أو القوة - لا علمياً، ولا عسكرياً، ولا اقتصادياً، ولا تكنولوجياً.

وبكل اختصار، في ظل هذه الجريمة المستمرة، إن السلام الذي يسعى إليه الصهاينة هو أشبه بشعار يُكتب على شواهد القبور... «ارقد بسلام»!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي