ألوان

من القاهرة (2 من 4)

تصغير
تكبير

التقيت بالمقهى في قلب القاهرة، بأخ سوداني يعمل في أحد المتاحف السودانية، وقد لجأ إلى العاصمة المصرية مع أسرته بسبب ظروف الحرب، رغم أنه يفكر كل يوم بالعودة إلى العاصمة الخرطوم، ولا ينفك يُكرر مقولة إن «الشعب المصري شعب طيب وإنه يحسن معاملة كل ضيف يأتي، سواء كان عربياً أو غير عربي».

وأضاف أنه درس في جامعة القاهرة ويزورها كل عام أو عامين، تبعاً للظروف، سواء وحده أو مع أفراد أسرته أو مع أصدقائه، وأنه يعرف العاصمة المصرية «حتة حتة»، مثلما يعرف العاصمة السودانية، وأن له أصدقاء كثيرين وبعضهم زملاء دراسة، قدموا له المساعدة عندما لجأ إلى «قاهرة المعز».

وبيّن أن هناك فرقاً بين اللهجتين السودانية والمصرية، وهذا أمر طبيعي مثلما الفرق مع اللهجة الكويتية... إلا أننا كشعب سوداني نشترك مع الشعب المصري في بناء الحياة منذ القدم حول نهر النيل، كما أننا نحب الفول وإن كانت الطريقة تختلف في كل مدينة وليس في كل بلد.

وحدثني بألم عن تبعات الحرب في السودان، مؤكداً أنه لا يأبه كثيراً، إن كانت بناية ما تأثرت لأنه ستتم إعادة بنائها، بل يهتم بالقيم الإنسانية التي يتمتع بها الإنسان السوداني، والتي سوف تبقى صامدة. كما أنه يعمل في أحد متاحف الخرطوم، حيث إن الكثير من المقتنيات الأثرية تعرضت للتلف أو للدمار أو للسرقة.

وبينما كنت أستمع إليه، رأيت دموعه تكاد تنفجر على حزنه الشديد، بسبب ما تعرضت له المتاحف السودانية في الخرطوم أو في بقية المدن السودانية، وقد ذكر بعض عناصر تلك الآثار وأهميتها، منها أن هناك الكثير من الأهرامات السودانية، لكنها وإن كانت أكثر عدداً من الأهرامات المصرية، إلا أنها أقل شهرة وأقل إقبالاً عليها من الجمهور السوداني، إلا النخبة، بينما كانت القلة تأتي من الدول الأوروبية ولعل الظروف السياسية والبنية التحتية كانت سبباً في عدم زيادة أعداد السياح إليها... وهناك تقصير كبير عبر عقود من الزمن في التسويق لتلك الآثار إلى جانب الآثار الأخرى.

وذكر بعض المعالم الأثرية، مثل جبل البركل وجبل الباسا، والمقبرة في موقع نوري الأثري في الشمال. كما أن هناك الأهرامات والمعابد ومتاحف عالمية تحتضن الكثير من الآثار السودانية.

وقد أكد هذا الرجل المتخصص في الآثار، أن هناك تكاملاً حضارياً بين الدول العربية، فلا توجد دولة عربية، صغيرة بمساحتها أو كبيرة، إلا وتضم العديد من الآثار التي تدل على حضارات سادت ثم بادت، من موريتانيا إلى سلطنة عمان.

ولما عدت إلى سكني، شاهدت على القناة الفرنسية الناطقة بالعربية لقاء مع بعض المسؤولين السودانيين المتخصصين، هما إخلاص الياس الكرم، كبيرة أمناء المتاحف في الهيئة العامة للآثار والمتاحف، العضو في وحدة استعادة الآثار المسروقة، ومعها إخلاص عبداللطيف أحمد مديرة المتاحف في الهيئة العامة للآثار والمتاحف رئيسة وحدة استعادة الآثار المسروقة، وهما شخصيتان نسائيتان استضيفتا في برنامج ثقافي، تحدثتا فيه عن هموم ما تعرضت له المتاحف السودانية بشكل عام ومتاحف العاصمة الخرطوم بشكل خاص.

ورغم قصر مدة اللقاء معهما في البرنامج، إلا أنهما قدمتا وصفاً دقيقاً لحجم الخسائر الفادحة، جراء السرقات والتدمير المنهجي، الأمر الذي يدعو إلى الحزن الشديد بسبب ما تفعله الحروب الأهلية من مآس لا يمكن معالجتها مثل تعرض الآثار إلى التدمير، وهو أمر لا يجد أولوية إبان الحروب، لأن هناك أولويات أخرى، بينما نجد أن أهل الاختصاص والنخبة فقط لديهم هموم الحفاظ على تلك الآثار من أي تلف.

أتمنى عودة السلام إلى السودان، خصوصاً أنني قرأت عن شراكة كويتية - سودانية لإقامة مشروع سياحي في ولاية البحر الأحمر، حيث ذكر السفير الكويتي لدى السودان فهد الظفيري أن القطاع الخاص سينفذ 80 في المئة من المشروع الذي سيعمل على تطوير المنطقة وزيادة السياح، خصوصاً أن كل بلد عربي يصلح للسياحة في فترة معينة من السنة، وأنه يمكن للإنسان العربي الاستمتاع بالسياحة في الوطن العربي طوال العام.

همسة:

السودان... سلة غذاء العالم ويمكن الاستثمار بها للأمن الغذائي.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي