قيم ومبادئ

من طق طبله!

تصغير
تكبير

ما لم يكن هناك وعي صحيح بأهمية تقديم الصالح العام على الخاص لم تثبت التجارب السياسية أن حصر الأصوات أو تضييق حقوق الانتخاب أصلح لتيسير عمل الحكومة ومراقبتها من التوسع والتعميم في المشاركة لكل من هبّ ودبّ... بل ثبت العكس تماماً حيث تفاقمت الرشوة بطرق عدة وطفح كيل الشيمة والوسائل الشائنة من أجل سباق المصالح المحموم مع حصر الأصوات... خذ مثالاً لذلك وفي أعرق بلاد الديمقراطية! الانتخاب في إنكلترا عام 1932، قبل قانون الانتخاب أشبه بسوق –الحراج– علنية في المزايدة لشراء الأصوات ومساومة الناخبين ومازالت عنصرية الدماء الزرقاء وطبقة –النبلاء– فاشية في لندن وضواحيها حتى اتسعت حقوق الانتخاب عام 1885، بعد خمسة عقود وهذه طبيعة الإنكليز المعارضة لأي تغيير لا يقتنعون به! تماماً مثل شوارع لندن الضيقة اليوم من يصدق أن مساحة هذه الشوارع والأزقة كما هي قبل ألف عام أي تاريخ العصور الوسطى التي لا تعرف سوى العربات التي تجرها الحُصن!

وإذا قيل أن مزية الديمقراطية على الاستبداد ان الديمقراطية تجعل النواب والوزراء ورجال السياسة على العموم ملائكة أبرار لا يؤخذون يوماً بضعف النفوس البشرية... فذاك هراء لا يصدقه أحد... وإذا وطّنا النفوس على ان الديمقراطية هي المصالح المتوازنة بين العوامل المشتركة في الحكومة بمعنى جعل العلاقة بين القطاع الخاص والعام علاقة مناصفة فهذا ما يرفضه الدستور... والتوازن الذي لا غنى عنه هو الذي يقضي بألاّ تُستثنى من الانتخاب طبقة أو يُصدُّ عدد كبير من أبناء الأمة بطريقة أو بأخرى... سوى طبقة الأغنياء وأصحاب النفوذ والمفكرين لأنهم أصحاب قوة فعّالة في سياسة التأثير على مكونات المجتمع قد تزيد على قوة أصوات الشعب العددية وبالتالي نحصل على حكومة طبقات أو حكومة ماليين فحسب... لأن أصوات الناخبين لا تقاوم النفوذ الإعلامي والاجتماعي الذي يناله الماليون بالتواطؤ مع السواس المخضرمين وتسخير الصحف والكتّاب والذباب الإلكتروني وخاصة مع الفضاء المفتوح، فكيف سيصبح الحال إذا كان الألوف من الفقراء أبناء البحر الذين صارع أجدادهم أمواج البحار وأهوالها ولا أصوات لهم في الانتخابات!

ولا رأي لهم على الإطلاق!

إلى جانب أصوات الأغنياء وذوي النفوذ؟ واللوبيات! ومن المغالطة أن نسمع بأن الديمقراطية تُسوى بين العالم والجاهل والمرأة والرجل والغني والفقير، لأنها تعطي كلاً منهم صوتاً واحداً في صناديق الاقتراع. فإن الديمقراطية لن تساوي بين رجل له نفوذ شعبي ورجل لا نفوذ له ولا يملك المال والذي يُعرض عليه لينقاد لسلطان الآخرين!

وزعم آخرون أن الديمقراطية هي أن يشعر كل فرد وكل فريق بأنه صاحب رأي في حكومة بلاده وبغير ذلك لا تكون هناك ديمقراطية ولا يطمئن الناس للمجالس النيابية... ولكننا وجدنا تاريخياً الحكم النيابي الأيرلندي الذي تقرر إلغاؤه عام 1801، لم يُفلح بتحقيق ثقة الشعب ولم يمنع ثورته الدموية المطالبة بالانفصال عن التاج الملكي البريطاني!

وإذا قيل إن الجماهير تنخدع للزعماء وتأخذ بالمظاهر فهذه الأطوار لم تكن ملغاة قبل حل المجلس وماذا كان يصنع بعض النواب الأشاوس طوال مسيرة ستة عقود إلا أن يستعينوا على خداع الجمهور تارة بالأحلام الوردية والتجنيس المزوّر وتارة برمي العقال والصراخ وتارة بالوجاهات والألقاب والعسكر القديم، وأكثرها بالعطايا والمواعيد إلى سائر ما هو معروف من أساليبهم في تمويه الشعارات وإخفاء الحقائق والتحيل وصولاً لمصالحهم ومصالحهم فقط!

فإلى متى تظل الأسطوانة المشروخة للبعض بأنني أُمثل الشعب وليس أبناء الدائرة!

الخلاصة الحل يكون بتربية الأجيال على أهمية القناعة باختيار الصالح العام على الخاص!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي