سافر إلى ذاتك

حين تُعلّق قلبك... وتنسى ذاتك

تصغير
تكبير

في زحمة الرسائل والمكالمات والمواعيد العاطفية... تضيع ملامحنا.

نركض خلف كلمة حلوة، وابتسامة تُرضينا، ووجود يُشعرنا أننا لسنا وحدنا... لكن في هذا الركض، كم مرة فقدنا أنفسنا؟ كم حلماً تأجل، وكم هدفاً تبخر، وكم شغفاً خمد؟ العلاقات ليست خطيئة، لكن تحويلها إلى مركز الكون هو الخطيئة التي نرتكبها يومياً بحق أنفسنا.

في هذا المقال، نفتح الباب على لحظة صدق:

هل أنت عاشق؟ أم ضائع؟

هل تحبهم؟ أم تهرب منك إليهم؟

هل علاقتك... تنميك؟ أم تبتلعك؟

ذات يوم، كان «سالم» يجلس مع أصدقائه في مقهى صغير، يحدثهم عن آخر خلاف مع «نورا»، وعن رسائل لم تُرَد، ونظرات لم تُفهم، وعتابٍ عالق بين الحلق والكبرياء. كان يتحدث كأن العالم كله متوقف على ردٍّ منها، وكأن يومه لا يبدأ إلا من شفتيها، وينتهي عند جفنيها.

في الجهة الأخرى من هذا الكوكب، كانت «هند» تشاهد ستوري «ناصر» كل ساعة، تبحث بين صوره عن إشارات خفية، عن معنى وراء كلمة «حبايبي»، وعن ظلّ فتاة انعكس صدفة على زجاج سيارته. قلبها في يد غيرها، ووقتها كله معلق بساعة يظهر فيها «متصل الآن».

ثمّة شيء لا يُقال... لكنه يُستنزف.

كلما انشغلنا بالآخرين، قلّ صوتنا داخلنا. نبحث عن حبّ يرضينا، فننسى كيف نرضى عن أنفسنا. نطارد من لا يريد البقاء، وننسى من ينتظرنا منذ سنين: أنفسنا.

هل سأل «سالم» نفسه: متى كانت آخر مرة قرأ فيها كتاباً؟ هل تعرف «هند» أنها كانت تحب الرسم، وتوقفت لأن «ناصر» لم يكن مهتماً بالفن؟ هل ندرك أن نصف تعبنا ليس من الحب... بل من الفراغ الذي نحاول ملأه بأي أحد؟

الذات لا تصرخ... لكنها تختفي بصمت.

الهدف لا يرحل... لكنه يتضاءل في الزحام.

والعلاقات؟

جميلة، حين تكون امتداداً لحياتك... لا بديلاً عنها.

قال لي رجل ذات يوم: «كلما أحببت امرأة، تراجعت عن أحلامي».

فقلت له: «الحب الذي يخطفك من نفسك، ليس حباً... بل شرك ناعم».

وقال لي آخر: «أصبحت لا أفكر إلا بها».

فأجبته: «وهل تفكر بنفسك؟ متى كانت آخر مرة كتبت فيها سطراً من حياتك؟».

الحياة لا تقف على أحد، لكننا نحب أن نتوقف وننادي على من رحل.

نُعطل أحلامنا بانتظار من لا يسمع.

نلغي أنفسنا لنكون كل شيء لغيرنا، فنصير لا شيء لأنفسنا.

افتح هاتفك... كم من الوقت تقضيه في تتبع غيرك؟ افتح قلبك... كم من مساحة فيه مازالت تحبك أنت؟ افتح دفترك القديم... كم من الأهداف طمستها دموع العِتاب؟

إنك كلما انشغلت بالعلاقات عن الذات، أصبحت نسخة باهتة من نفسك.

تتغير لهجتك، نبرة صوتك، ضحكتك، وحتى ذوقك في الأغاني.

الوقت الذي تمنحه للآخرين، هو من عمرك.

فهل يستحقون أن يأخذوا كل هذا منك... وأنت لا تعطي نفسك شيئًا؟

حاول أن تتذكر:

كم مرة أخّرت مشروعك لأنك كنت «منشغلاً عاطفياً؟» كم مرة قلت «بعدين أرجع» لأهدافك... ولم تعد؟ كم مرة وضعت ذاتك في قائمة الانتظار؟

لن يكتمل شيء في حياتك، إن لم تكتمل أولاً مع نفسك.

اصنع لك صباحاً تحبه، دون انتظار«صباح الخير» من أحد.

اكتب، ارسم، امشِ، تعلم لغة جديدة، واغرس نبتة على شرفتك.

دع الحب يأتي... لكن لا تدعه يمحوك.

أحب، نعم...

لكن لا تنس أن تحب من يستحق أولاً:

أنت.

تحياتي.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي