«عقول تُهاجر... وأبواب تُغلق» (1من 3) بين العقد الورقي والحقيقة المرة

تصغير
تكبير

لا يخفى على أحد أن تجارة الإقامات في الكويت باتت ظاهرة تؤرق الدولة والمجتمع، رغم الجهود الأمنية، والإدانات القضائية، التي كشفت عن عشرات العصابات، تدير شركات وهمية، تُسهّل من خلالها الحصول على الإقامة مقابل المال.

ولاتزال هذه العصابات تمارس فسادها وجرائمها بحق الإنسانية، عابثةً بمقدّرات الوطن.

وقد سبق أن أعلنت وزارة الداخلية، ضبط تشكيل عصابي جديد متورط في تسهيل الإقامات، بعد أن استخدم كيانات وهمية، وباع الإقامات بأسعار تبدأ من 500 دينار كويتي، بل وصل بعضها إلى 2,000 دينار للاستقدام.

لكن السؤال: هل هذه نهاية القصة؟ هل توقف تجار الإقامات؟ إن هذه العصابة ليست إلا «عود من حزمة» كما نقول نحن الكويتيين، فسادٌ وجريمةٌ منظّمة، وكان أحد الأصدقاء شاهداً على هذا الفساد، وأحد ضحاياه، لكن بصورة أكثر هدوءاً وقانونية؛ ولكنه لا يقل ألماً ولا حسرة.

نعم، ألقي القبض على العديد من تجار الإقامات، وقدموا للعدالة، ولكن هل انتهت قصة الاتجار بالبشر؟ هل اتعظ هؤلاء التجار؟ لا فهُم كثر.

والعديد من العمال - خاصة عمال اليومية - يدفعون إتاوات لتجار الإقامات الجشعين، وبالأقساط المريحة! رغم تحريمها شرعاً، ومخالفتها للقانون، فهم لا يأبهون.

قبل الجائحة، كنت أعمل في القطاع الخاص، وكان لي صديق عربي يعمل معي، وقد أتى للكويت في عام 2017، متعاقداً مع إحدى الشركات بعقدٍ رسمي وسمةِ دخول قانونية، وكانت هذه الشركة تجلب العمالة ليعملوا لصالح مناقصاتها.

لكن الصدمة كانت قاسية؛ فما أن وصل صديقنا إلى الكويت، وهو يرسم أحلام مستقبلٍ مشرق يبني فيه بيته وأسرته، حتى تلقى في يومه الثالث صدمة، جعلت جميع أحلامه تتبخر.

إذ أبلغه أحد مسؤولي الشركة - شفهياً - بأنهم لا يحتاجون إلى خدماته، وأن عليه أن يتدبر أموره بنفسه. استنكر صديقنا، وذكرهم ببنود العقد، لكن جاء الرد الجاف: «هذه مشكلتك».

لم ييأس، ووجد لاحقاً فرصة عمل حقيقية، فعاد لشركته الأولى لتحويل إقامته، ففوجئ بطلب رسوم جديدة ومصاريف غير مبررة. وحين اعترض قائلاً إنه دفع مسبقاً مقابل قدومه، كان الجواب: «كل شيء بثمن».

تحسر صديقنا وتعجب، وكيف له أن يأتي بكل هذه الأموال وهو على هذا الحال؟ يدخل مديوناً ويتضاعف دينه؛ فسأل سؤالاً بسيطاً، جوابه عويص: «هل هذا عدل؟».

إن تجارة الإقامات ليست عَرَضاً عابراً، بل مرض متجذّر. والحل لا يكون في الحملات فقط، بل بمعرفة جذور المشكلة، تليها حلول واقعية، وتقنين صارم، ورقابة فعالة، ونظام يجعل التحايل مكلفاً ومستحيلاً.

وإن كان هذا حال العمالة البسيطة، فكيف يكون الحال حين يُحبط الطبيب، والمهندس، والعقل الوافد؟... هذا ما سنتناوله في المقال المقبل، إن شاء الله.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي