اكتشاف جزيئات تَنتُج عن الصيام.. تُعزّز صحة الدماغ
خصلت دراسة حديثة إلى أن جزيئات الكيتون، الناتجة عن الصيام، تُحسّن صحة الدماغ عبر إزالة البروتينات التالفة، وهذا يفتح آفاقاً جديدة للوقاية من الأمراض.
وأظهرت الدراسة أن الامتناع عن تناول وجبة الإفطار أو اتباع أنظمة الصيام المتقطع يحمل في طياته أكثر من مجرد تقليل للسعرات الحرارية، وهذا يُحدث تحولاً أيضياً يُغرق مجرى الدم بجزيئات الكيتون، وهي جزيئات صغيرة مشتقة من الدهون يمتصها الدماغ بشغف كبير. ويُشير أحدث دليل إلى كيفية ارتباط الكيتون الأساسي بيتا-هيدروكسي بيوتيرات بالبروتينات المطوية بشكل خاطئ، وهذا يوجهها نحو نظام إعادة تدوير الفضلات في الخلية.
ويأتي هذا العمل من الدكتور «جون نيومان» من «معهد باك لأبحاث الشيخوخة» في الولايات المتحدة.
وعندما ينخفض مستوى الغلوكوز في الجسم، يُحوّل الكبد الدهون المخزنة إلى بيتا-هيدروكسي بيوتيرات وأشباهه. وفي غضون ساعات، يمكن أن ترتفع مستويات الكيتون في الدم لتتجاوز ثلاث مللي مول في كل لتر، وهي المستويات التي بلغتها الفئران في مختبر «نيومان» خلال أسبوع من جرعات إستر الكيتون.
وبهذا التركيز، تخترق جزيئات الكيتون حاجز الدم-الدماغ وتبدأ بالارتباط بالبروتينات التي فقدت شكلها الطبيعي. والبروتينات المطوية بشكل خاطئ تكون لزجة، وهذا يتسبب في عرقلة عمل الآليات الخلوية مثل الوبر في المجفف.
ومن خلال الارتباط المبكر بهذه البروتينات، يُقلل بيتا-هيدروكسي بيوتيرات من قابليتها للذوبان، وهذا يُشير إليها للإزالة عبر عملية البلعمة الذاتية.
ويوضح الدكتور «نيومان» أن «جزيئات الكيتون تتفاعل مباشرة مع البروتينات التالفة والمطوية بشكل خاطئ، وهذا يجعلها غير قابلة للذوبان لكي تُسحب من الخلية وتُعاد تدويرها».
وكيميائياً، فإن بيتا-هيدروكسي بيوتيرات هو جزيء رباعي الكربون يحتوي على مجموعة هيدروكسيل وحيدة تقع على بعد ذرتين من ذيل الحمض الخاص به.
ويُتيح هذا التعديل الدقيق للجزيء أن يتغلغل في طيات البروتين دون تشكيل روابط دائمة، وهذا ما أكدته التجربة عندما فشل نظير الكحول غير التفاعلي في تحفيز نفس عملية إزالة البروتين.
وفي فحوصات مطياف الكتلة، قام الفريق بفهرسة ما يقرب من 300 بروتين تحولت من قابلة للذوبان إلى غير قابلة للذوبان، والعديد منها يحمل نطاقات شبيهة بالتيوبيولين التي تمنح الخلايا العصبية سقالاتها الداخلية. وتفشل هذه الدعامات غالباً أولاً في مرض «الزهايمر»، لذا فإن إزالة الأجزاء التالفة مبكراً وهذا من شأنه أن يُجنب مشاكل لاحقة.
وقد تعاملت الخلية مع الحمل الزائد بشكل جيد. وفي غضون يومين من الكيتوزية المستمرة، اختفت التجمعات الأكثر تلوثاً، وهذا يشير إلى أن الاندفاع التنظيفي يكون قصيراً ولكنه قوياً. ولاختبار التأثير في العالم الحقيقي، قام الباحثون بإطعام مشروب إستر الكيتون لفئران تبلغ من العمر عشرين شهراً، وهذا يُعادل تقريباً سناً بشرياً يبلغ 65 عاماً. وقللت الحيوانات المعالجة من عبء أميلويد الدماغ وأظهرت أداءً أفضل في مهام المتاهة مقارنة بمجموعات التحكم التي تغذت على الزيت، وهذا يُكرر العمل السابق في القوارض المعدلة وراثياً المصابة بالزهايمر.
وبلغ بيتا-هيدروكسي بيوتيرات في الدم ذروته بالقرب من أربعة مللي مول في كل لتر وتراجع في غضون أربع ساعات، لكن توقيع تنظيف البروتين استمر، وهذا يُلمح إلى إعادة ضبط دائمة.
ويُشير الباحث الدكتور «سيدهارث مادهافان» إلى أنه «بمجرد معالجتها بجزيئات الكيتون، استعادت الحيوانات قدرتها على السباحة».
وبشكل منفصل، استعادت الديدان الخيطية «كاينورهابديتس إيليغانز» التي هُندست لإنتاج بروتين «أميلويد بيتا» البشري قوتها في التمايل بعد السباحة في وسط محفز بالكيتون.
وتُشير هذه النتائج عبر الأنواع إلى آلية تعمل على الكيمياء الخلوية الأساسية، وليس على خصائص نموذج واحد.
ولا يحتاج البشر إلى ديدان مهندسة أو تجارب متاهة للوصول إلى الكيتوزية؛ وهذا حيث يمكن لصيام ليلة كاملة أو تناول مخفوق إفطار كيتوجيني أن يرفع مستويات الكيتون في الدم فوق واحد مللي مول في كل لتر.
وفي تجربة عشوائية استمرت ستة أشهر، أدى مشروب ثلاثي الغليسريد متوسط السلسلة الذي أنتج مستويات كيتون مماثلة إلى تحسين الذاكرة العرضية لدى الأشخاص الذين يعانون من ضعف إدراكي خفيف.
وأظهر تصوير الدماغ من دراسة مصاحبة أن الكيتونات تجاوزت امتصاص الغلوكوز البطيء واستعادت استخدام الطاقة في المادة البيضاء.