كلمة صدق

معاناة «الهيباكوشا»

تصغير
تكبير

في تمام الساعة الثامنة والربع من صباح السادس من أغسطس لعام 1945 ألقت قاذفة القنابل الأميركية «بي 29» أول قنبلة ذرية على مدينة هيروشيما اليابانية المكتظة بالسكان، وحوّلت بأشعاعاتها الضوئية الحارقة، جزءاً كبيراً من المدينة إلى رميم، ولم يبق من أثر لبشر في قطر ثلاث كيلومترات، إلا ظلال بشرية داكنة تعكس خيال أشخاص تبخروا وبقي ظلهم يتوسط الأرضيات التي تحولت إلى بيضاء من وميض التفجير الذري.

«الولد الصغير»، هكذا كانت تسمية هذه القنبلة والتي حصدت نحو 140 ألف إنسان، لا تفرّق بين امرأة ورجل وشيخ أو طفل رضيع أو بنت صغيرة. بعد ذلك بثلاثة أيام تم إلقاء قنبلة «الرجل البدين» على مدينة ناغازاكي، والتي حصدت ما يُقارب الـ 80 ألفاً من البشر.

في كثير من الأوقات، يلاحق الكاتب عناصر المقال فيجمعها ثم يسكبها لتكون مقالاً مكتمل العناصر، وأحياناً أخرى تطارد عناصر المقال الكاتب فتفرض نفسها عليه فيتلقفها وينسج منها روايته.

فقبل ثلاثة أيام، قامت إحدى القنوات الفرنسية الناطقة باللغة العربية ببث حلقة رائعة تتحدث فيها بالشهادات عن الأشخاص الذين عانوا من قنبلة هيروشيما، ثم عرضت مقاطع فيديو تصوّر بالمحاكات الملونة، شكل الانفجار والدمار وأشكال الضحايا والناجين الهائمين على وجوههم وكأنهم أحياء أموات.

بعد ذلك بساعات، تم نشر خبر في الوسائط الإعلامية المختلفة، نقلاً عن تحقيق لأحد الصحافيين من دولة الاحتلال، يشير فيه إلى أن الدمار الذي لحق بمدينة رفح جنوب قطاع غزة، يوازي الدمار الذي ألحقته القنبلة الذرية على هيروشيما اليابانية... وأكثر.

نعم راجمات الصواريخ ومدافع الدبابات وقذائف الطائرات، دمرّت ما دمرّت في غزة من دون استخدام القنابل النووية، وكان فتكها، كما يقول الصحافي الإسرائيلي، شبيه بما أحدثه النووي في هيروشيما.

لم تستخدم إسرائيل ما في ترسانتها من قنابل نووية، لكن كان حجم التدمير واسعاً كأنه هيروشيما. والسؤال: ماذا لو أفلت هذا الكيان من عقاله إن كان لديه عقال، واستخدم أسلحة الدمار الشامل؟ وأين الرقابة الدولية والغربية ورقابة الدول العظمي والدول الفاعلة في مراقبة البرنامج النووي الإسرائيلي السري والمفضوح في آن واحد؟ ولماذا لا يجبر ما يُسمى بالمجتمع الدولي، هذا الكيان المحتل من التوقيع على معاهدة الحد من الانتشار النووي؟

الآن الصورة أصبحت أوضح بحادث تفجير مدينة هيروشيما، بالنووي، وعلاقة ذلك بغزة وتحويلها الى أنقاض كمدينة هيروشيما وقتل أهلها من دون تمييز حقيقي بين المقاتل والأعزل... ولكن ما علاقة كل ذلك بما ورد من عنوان المقال «الهيباكوشا»؟

«الهيباكوشا»، هم اليابانيون الناجون من الانفجار النووي والذين عانوا الأمرين من آثار القنبلة وفقدان الأحبة... من الحروق والإشعاعات والمعاناة البدنية الأليمة التي تعرّضوا لها، بجانب ذلك كان هناك تمييز شديد ضدهم بسبب اعتقاد البعض أن الإشعاعات معدية مثلها مثل الأمراض المعدية.

هنا أصبحت معاناتهم بدنية ونفسية. وفي غزة التي لاقت دماراً يُشبه ما حل بهيروشيما، يُعاني أهلها آلام القتل والجراح وفقد الأحبة والتهجير والمستقبل الغامض، وهم كما «الهيباكوشا» مازال التمييز والضغوط عليهم بحدها الأعلى حتى كتابة السطور، بل معاناتهم أشد من الناجين اليابانيين، فهناك كانت دولة تهتم بهم وتعترف بمعاناتهم، أما أهل غزة، ففوق جراحهم لا حامي لهم.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي