رأي نفطي

هل تستحوذ «شل» على «تاج» بريطانيا النفطي؟

تصغير
تكبير

تشهد شركة بي.بي البريطانية، المعروفة تاريخياً بلقب «جوهرة التاج» في الصناعة النفطية، تراجعاً حاداً منذ أكثر من عام. فقدت أسهم الشركة أكثر من 22 ٪ من قيمتها خلال الاثني عشر شهراً الماضية، ومازالت في منحى تنازلي مقلق، وسط غياب بوادر حقيقية للتعافي. في ظل هذا السياق، تتصاعد التكهنات في الأوساط الاقتصادية والإعلامية حول إمكانية استحواذ إحدى شركات الطاقة الكبرى عليها، وعلى رأسها شل، المنافس الأقرب والأكثر ترجيحاً.

تعود جذور انحدار «بي.بي» إلى تحولها الإستراتيجي نحو الطاقات المتجددة، وتخليها التدريجي عن الاستثمار في الوقود الأحفوري (النفط والغاز). وقد سعت الشركة لأن تكون في طليعة التحوّل البيئي، عبر التوسع في مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، إلا أن هذه الرؤية، رغم طموحها، أثبتت أنها مكلفة وغير كافية لتعويض الأرباح المستقرة التي كانت تجنيها من النفط والغاز.

وبينما استمرت الشركات المنافسة، لا سيما الأميركية منها، في تطوير استثماراتها الأحفورية، مستفيدة من فتح الأراضي الفيدرالية الأميركية للتنقيب، اختارت «بي.بي» أن تنأى بنفسها عن هذا المسار، وهو ما أدى إلى تراجع أرباحها وقيمتها السوقية. وحتى محاولاتها في بيع أصولها القيّمة، مثل علامتها التجارية الشهيرة كاستر اويل، لم تلقَ إقبالاً يُذكر، مما يعكس صعوبة التسييل حتى لأكثر ممتلكاتها شهرة وقيمة.

وتشير بعض المصادر إلى أن شركة شل، متعددة الجنسيات (أنكليزية -هولندية) ومقرها الرئيسي لندن، قد تكون المرشح الأقرب للاستحواذ على «بي.بي». فـ«شل» التي تفوق أصولها 250 مليار دولار، مقارنة بـ80 إلى 83 مليار دولار لـ«بي.بي»، تمتلك القوة المالية والخبرة اللازمة لعملية من هذا النوع، لاسيما أن جزءاً كبيراً من أصول «بي.بي» لايزال ذا قيمة، مثل استثماراتها في أبوظبي، خليج المكسيك، والنفط الصخري الأميركي.

رغم نفي «شل» الرسمي لأي نية في الاستحواذ، يرى مراقبون أن هذا قد يكون مجرد موقف موقت، في انتظار المزيد من التراجع في قيمة «بي.بي»، أو ربما تهدئة سياسية. فالمخاوف من تفكك الشركة وبيعها على أجزاء لشركات أخرى، خصوصاً الأميركية، تثير قلقاً واضحاً في لندن، حيث تُعتبر «بي.بي» رمزاً وطنياً وامتداداً لنفوذ بريطانيا في الطاقة.

ولم تكن هذه أول أزمة تهز صورة «بي.بي». ففي التاريخ القريب والبعيد، ارتبطت الشركة بإشكالات سيادية وسياسية. ولعل أبرزها رفضها سابقاً الدخول في مشاريع نفطية في الكويت بزعم عدم الحاجة، أو الأزمة التي نشأت حين اشترى الصندوق السيادي الكويتي 10 ٪ من أسهمها، ما منح الكويت حق التمثيل في مجلس الإدارة. الأمر الذي قوبل باعتراض الحكومة البريطانية، خشية تسرّب المعلومات الإستراتيجية، ما دفع الكويت إلى خفض حصتها تحت العتبة القانونية لذلك التمثيل.

وكانت «بي.بي» ذات يوم القوة النفطية الأولى في منطقة الخليج، تمتلك حقولاً في إيران والعراق والبحرين دون منازع، قبل أن تقلبها الأحداث الجيوسياسية رأساً على عقب. واليوم، باتت الشركة تسير في طريق انحداري، دون رؤية إستراتيجية واضحة، ما يجعلها عرضة للاستحواذ أو التفكك.

يبقى السؤال: هل ستبادر «شل» إلى ضمّ «بي.بي» ليبقى التاج النفطي البريطاني في مكانه، أم أن الفرصة ستفلت لتتحول إلى مكسب إستراتيجي لشركات عالمية أخرى؟

في عالم النفط، لا شيء محسوماً، لكن المؤكد أن «بي.بي» لم تعد كما كانت، وأن الوقت قد حان لاتخاذ قرارات مصيرية، إما تنقذها، أو تُنهي فصلاً تاريخياً من الحكاية البريطانية في صناعة الطاقة العالمية.

محلل نفطي مستقل

[email protected]

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي