لم أُصدم من الإحصائية التي نشرت عن عدد المخالفات المرورية التي تم ضبطها خلال ستة أيام فقط، والتي تقترب من عشرين ألف مخالفة، وهو رقم كبير جداً متى ما قورن بعدد سكان دولة الكويت من مواطنين وضيوفها عرباً وعجماً يشاركوننا العيش على هذه الأرض الطيبة.
ولا يبدو أن الوعي المروري بات يمثل حلاً ناجعاً تجاه تلك المخالفات المرورية التي باتت إحدى مشاكل المجتمع المعاصرة من مستخدمي الطرق السريعة وغير السريعة كافة، الأمر الذي دفع بوزارة الداخلية إلى التربص بـ«مخبى» المخالف أي «جيبه» أي محفظته التي تحتضن «بيزاته» ولها العذر بذلك التوجه لأن المخالف ما أن يتم ضبطه بشكل مباشر أو بصورة غير مباشرة عبر التقنية الحديثة التي جلبتها وزارة الداخلية وباتت ضمن منظومتها الرقمية التي تساهم في قنص السيارة المخالفة وبالتالي تسجيل مخالفة مرورية لا يتم الصلح بها إلا بدفع غرامة مالية تمت زيادتها.
وسمعت أن الكثيرين باتوا «يتحلطمون» من زيادة سعر الصلح للمخالفات المرورية كافة، مقارنة بالسنوات السابقة بينما هناك بعض رجال الداخلية المتقاعدين الذين أعرفهم يقولون إنه لا يوجد حل رادع إلا بزيادة أسعار المخالفات مع تأييد أن تكون تصاعدية في حالة تكرارها على الجميع دون استثناء، وهذا هو ديدن وزارة الداخلية التي باتت لا تتيح مجالاً لـ«الواسطات» وتلك نقطة مهمة تحسب لمعالي النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية الشيخ فهد اليوسف الصباح، كما أن هؤلاء الذين «يتحلطمون» لا يكترثون بالحوادث المرعبة التي حصدت أرواح الكثير، ناهيك عن الإصابات الصعبة التي باتت تؤرق وتثقل وزارة الصحة بدءاً بقسم الطوارئ مروراً بقسم الأشعة وانتهاء بقسم الجراحة والعلاج الطبيعي، إضافة إلى بعض الحالات التي استدعت العلاج بالخارج.
وكم أعجبني أحد الأصدقاء بعد أن أدرك أن السائق الخاص به بات يكرر عملية ارتكاب المخالفات بدءاً بالسرعة مروراً بعدم ربط حزام الأمان وانتهاء باستخدام الهاتف النقال، فما كان منه إلا أن قرر أن يخصم قيمة المخالفات من راتب السائق وأثر ذلك عليه نفسياً.
وهناك سلسلة من المخالفات التي أدت إلى الوفاة وفي مقدمتها السرعة الجنونية واستخدام الهاتف النقال أو الاثنان معاً أثناء القيادة، مما جعلنا نفقد الكثير من أبناء الوطن وهو أب وأخ وزوج وهي أم وأخت وزوجة، بل إن الأمر يمتد إلى أننا نفقد أطباء ومهندسين ومحامين ومدرسين، الأمر الذي يؤثر على مسيرة التنمية، والأمر نفسه ينطبق على الإخوة ضيوف الكويت؛ فهم تركوا بلادهم وحضروا للعمل في الكويت ليس من أجل السياحة بل من أجل توفير معيشة كريمة لهم ولأسرهم سواء كانت تعيش معهم في الكويت أو أنهم يعيشون وحدهم، الأمر الذي يعكس المآسي على أفراد أسرهم عندما يتلقون خبر وفاة المعيل بعيداً عنهم وأثر ذلك عليهم نفسياً ومادياً.
بدورها، وزارة الداخلية لم تقصر في حض مستخدمي الطرق على الالتزام بقوانين المرور حفظاً للمجتمع عبر شتى أنواع وسائل الإعلام المختلفة عبر عقود من الزمن، وبالتالي فإنه لا يقع اللوم عليها البتة بيد أنها مطالبة بالتنسيق وبالضغط على وزارة الشؤون لصيانة الطرق وردم الحفر المنتشرة في مختلف شوارع الكويت.
إن مساحة الكويت صغيرة وعدد السكان في ازدياد مضطرد، وكانت هناك أخطاء في تصميم الطرق في العقود السابقة، منها أن أرض الكويت منبسطة وبالتالي مادامت لا توجد جبال وبحيرات أو آثار تحد من حجم الطرق وانسيابيتها فإن وجود حارات قليلة في كل من الدائري الأول والثاني والثالث والرابع، كان عاملاً مهماً في الاختناق المروري، وهناك عوامل أخرى. وإذا انتبه المهندسون في السابق إلى أن تعداد السكان يزداد زيادة طبيعية وقاموا بوضع أربع حارات في كل طريق في الذهاب والإياب في كل من الدائري الأول والثاني والثالث والرابع لكانت الازدحامات أقل كثيراً مما عشناه منذ التسعينات إلى يومنا هذا، وكم تمنيت أن يكون هناك جسر فوق الدائري الرابع يبدأ من «دوار العظام» ينتهي في السالمية، فمن يريد الذهاب إلى السالمية لا يمر بالدائري الرابع الأرضي بل يتجه إلى الجسر المعلق، بينما من يريد التوجه إلى الخالدية أو اليرموك مثلاً يستخدم الدائري الرابع وهكذا، وهناك شركات عالمية تمتلك الخبرة الكافية بدراسة الوضع مع وضع الحلول المناسبة وإن كانت مكلفة مادياً، ويمكن دفع كلفتها من الغرامات من الذين ما زالوا يصرون على ارتكاب المخالفات المرورية مهما كانت رسوم التحصيل مرتفعة، وهناك من هو مختص يعرف أكثر مني في وضع الحلول للازدحامات المرورية.
همسة:
تربية الأبناء على القيادة المثالية جزء من الأخلاق.