الماء في الكويت... رفاهية مهددة أم نعمة منسية؟

تصغير
تكبير

يعاني العالم من ارتفاع مستمر في درجات الحرارة، وتعد الكويت من أكثر الدول تأثراً بذلك، مما ينعكس مباشرة على مصادر المياه ويهددها بالنضوب في المستقبل. فالكويت لا تمتلك بحيرات أو أنهاراً طبيعية، وتعتمد بشكل رئيسي على مياه البحر عن طريق التحلية، كما تعتمد مزارعها على المياه الجوفية.

في ظل هذه الظروف، تتكفل الدولة بما يقارب 90 % من تكلفة مياه الشرب، بينما يدفع المواطن والمقيم فلسين فقط، ورغم ذلك فإن استهلاك المياه في الكويت من الأعلى عالمياً، إذ يبلغ معدل استهلاك الفرد 447 ليتراً يومياً، في حين يتراوح المعدل العالمي بين 150 و220 ليتراً فقط. هذا الوضع دفع الحكومة إلى التفكير في تطبيق نظام الشرائح لتقنين الاستهلاك، ولكن يبقى التساؤل مطروحاً: هل الحل يكمن فقط في رفع تعرفة الماء والكهرباء؟

من الطبيعي أن يكون استهلاك المياه في الكويت مرتفعاً، فهي من أكثر مناطق العالم حرارة، إذ تصل درجات الحرارة صيفاً إلى 55 درجة مئوية، وهذا الارتفاع الحاد يتسبب في ضعف التغذية الطبيعية للمياه الجوفية، ويهدد جودتها بظواهر خطيرة مثل التملّح، إضافة إلى تبعات بيئية أخرى تتطلب حلولاً شاملة لا تقتصر على طرف واحد.

ورغم أن رفع تعرفة الماء والكهرباء قد يساهم في تقليل الاستهلاك بشكل مباشر، إلا أن لهذا القرار تبعات اقتصادية لا يمكن إغفالها. إذ ينعكس هذا الرفع على أسعار الإيجارات والمواد الأساسية، مما يؤثر بشكل مباشر على ذوي الدخل المتوسط والمحدود. خاصةً أن المواطن ينتظر في بعض الحالات أكثر من 20 سنة للحصول على سكن. هذه المدة الطويلة تدفع العديد من أرباب الأسر للتفكير ببناء شقق لأبنائهم أو حتى لبناتهم مع أزواجهن، مما يشكل عبئاً ثقيلاً على كاهل الأسرة. لذلك، من الضروري مراعاة هذه الجوانب، ومنح مهلة زمنية لا تقل عن سنة قبل تطبيق أي تعديل في التعرفة، ليكون أمام المواطنين وقت كافٍ لتعديل أوضاعهم والتكيف مع التغيرات.

لذا، لابد من تنويع مصادر المياه واستغلالها بطرق مستدامة، مثل توجيه مياه الأمطار إلى بحيرات صناعية، وإنشاء غابات وطنية للمساعدة في خفض درجات الحرارة، إلى جانب دعم مشاريع المياه المعالجة، وتشجيع تحلية المياه باستخدام الطاقة الشمسية للتقليل من الانبعاثات الضارة.

كما يؤمل توعية المجتمع بفوائد الترشيد وأهمية المحافظة على هذه النعمة، من خلال استخدام الأجهزة والصنابير الموفرة، وإعادة تدوير المياه الرمادية واستخدامها في ري الحدائق أو غسيل السيارات. ومن المهم كذلك تسليط الضوء على مخاطر المياه الفوارة التي تسببت بخسائر كبيرة للمزارعين من غرق للمزارع واستنزاف لمخزون المياه الإستراتيجي، خاصة في منطقة الوفرة الزراعية، إلى جانب التوعية بخطورة الانبعاثات الناتجة عن محطات التحلية وآثارها الصحية.

ففي ظل شح الموارد وارتفاع الاستهلاك، على المواطن والمقيم تحمل الأمانة تجاه هذه الثروة. الماء ليس سلعة بلا قيمة، بل مورد إستراتيجي تنفق عليه الدولة ملايين الدنانير. ويمكن لكل فرد أن يحدث فرقاً حقيقياً من خلال استخدام أدوات ترشيد المياه، والتوعية المنزلية، وتعليم الأبناء أهمية المحافظة على الماء. فثقافة الترشيد لا تعني البخل، بل هي ضرورة فرضها الواقع، بعد سنوات من الاستهلاك غير المسؤول. فالماء ليس ترفاً، بل شريان حياة مهدد. خاصةً بعد اندلاع الحرب بين إيران والكيان اللقيط.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي