قيم ومبادئ

شيوخ القبائل

تصغير
تكبير

أبطل رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، في حجة الوداع أمور الجاهلية كلها، وبدأ بالأكابر من بني هاشم فقال (ودماءُ الجاهلية موضوعة تحت قدمي وأول دمٍ أضعه من دمائنا دمُ ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب، وربا الجاهلية موضوع وأول رباً أضعُ من ربانا ربا العباس بن المطلب، فإنه موضوع كله) فبدأ بآل البيت لأنهم قدوة للناس جميعاً فهدم كل شيء أحدثوه والشرائع التي شرعوها قبل الإسلام، فالدماء التي أُريقت هي متروكة لا قصاص ولا دية ولا كفارة، وأول دم بدأ به فأهدره دم ابن عمه ربيعة بن الحارث، الذي قتلته قبيلة هُذيل، ثم ثنّى بعمه العباس، رضي الله عنه، فليس هناك ازدواجية ولا مجاملة في الحق، فأبطل كل معاملاته الربوية في الجاهلية، وليس له منها سوى رأس المال فقط.

ومن أحكام الجاهلية التي أبطلها الإسلام ما يسمى (بالسلوم) وهو إلزام القبيلة بدفع تعويض للمرأة المزنى بها من قبل الجاني الذي هو من القبيلة نفسها حتى يسلم من العقاب؟ ولكن شرع الله في الزاني الجلد إذا كان غير محصن والرجم إذا كان محصناً، رجلاً كان أو امرأة... ومن ذلك أيضاً كتمان الشهادة وعدم أدائها في المحاكم حميةً وتعصباً أو الشهادة زوراً وبهتاناً حمية وعصبية أيضاً، وعلى هذا الأساس أقول إن الواجب على مشايخ القبائل ألاّ يحكموا بين الناس بالأعراف التي لا أساس لها في الشريعة الإسلامية، وما أنزل الله بها من سلطان... بل يجب عليهم عند التنازع الرجوع إلى القضاء الشرعي ولا مانع من الإصلاح بين المتخاصمين بما لا يخالف الشرع المطهر.

ومن العادات الجاهلية التي أبطلها الإسلام الأخذ بالثأر وهي عادة محرمة يجب الإنكار على من يعمل بها؛ لأنه قتل غير القاتل أو الاعتداء عليه بتلف عضو من أعضائه وهذا لا يجوز لقوله تعالى «ولا تزر وازرة وزر أخرى» (سورة الإسراء: 15)، ومن العادات السيئة إكراه الناس والضغط عليهم بقوة لطلب العفو في قتل العمد، حيث تقوم به القبيلة التي منها الجاني بطلب الأمراء والوجهاء بالذهاب إلى قبيلة المجني عليه... فيأتون ويقفون في الشمس وبعضهم ربما زحف على وجهه تذللاً لهم... وبعضهم يربط نفسه كالجمل! وبعضهم يرمون العمائم والغتر والعقال تذللاً للقبيلة الأخرى... وهذه كلها من أمور الجاهلية وقد يكون الجاني سفيهاً متهوراً لا يبالي بدماء الناس فلا يجوز للإنسان أن يذل نفسه لغير الله تعالى طمعاً في سلامة شاذ ومنحرف أخلاقياً وسلوكياً!

وأختم بهذه القصة القصيرة في كيفية معاملة النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، لشيخ مشايخ بني حنيفة، وهي قبيلة مشهورة، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم سرية فأغاروا عليهم وهزموهم وأسروا شيخهم ثمامة بن أثال، وأتوا به إلى المدينة وربطوه بسارية المسجد! فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم فقال «ما عندك يا ثمامة؟» فقال عندي خير يا محمد، إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تُنعم وتُحسن بالمنّ تُنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فاطلب منه ما شئت... فتركه رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم إلى غد، فعاد إلى سؤاله وكرر ثمامة له الجواب فقال مثل ما قال... وتركه الرسول لليوم الثالث، فأعاد الرسول له السؤال وأعاد له ثمامة الجواب، فقال النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم لأصحابه رضي الله عنهم أطلقوا ثمامة واتركوه... فذهب ثمامة إلى بستان قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال، أشهد أن لا إله الا الله وأشهد أن محمداً رسول الله... وبهذا انقلبت العداوة إلى أخوة والبُغض إلى محبة، فسبحان من بيده قلوب العباد يقلبها كيف يشاء!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي