من الخميس إلى الخميس

المال الثقافي

تصغير
تكبير

عنوان المقال من كلمتين، مال وثقافة، وهو معنى يختلف تماماً عن جملة المصطلح ذات الثلاث كلمات «رأس المال الثقافي».

جملة «رأس المال الثقافي» مصطلح اجتماعي أوجده عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو (بالفرنسية: Pierre Bourdieu) (1 أغسطس 1930 - 23 يناير 2002)، هذا المصطلح كان يعني «سلسلة من الأصول الاجتماعية التي يمكن للشخص امتلاكها، مثل التعليم أو الفكر أو طريقة ارتداء الملابس وحتى التصرفات»، هذا هو رأس المال الثقافي للإنسان برأي بورديو.

في هذا المقال نناقش المال الثقافي، وليس «رأس المال الثقافي».

وهنا أيضاً لابد من التفريق بين المال الثقافي والمال السياسي.

فالمال السياسي يعني استخدام المال لشراء الولاءات السياسية والمواقف عبر طرق كثيرة وأساليب متنوعة، وهذا المال السياسي جعل البعض يتقافزون في مواقفهم كما تتقافز الغربان لالتقاط الحبوب... إنها مصيبة سياسية لكن المصيبة الأكبر والأخطر هي في موضوعنا اليوم، المال الثقافي.

المال الثقافي يعني إفساد ثقافة الأمة بالمال، وهذه هي أمّ المصائب.

في عالم الفكر والثقافة اليوم أشباه مثقفين يعرضون أنفسهم للبيع، يكتبون ويؤلفون كتباً في شتى المجالات، وفق إرادة المشتري، بعضهم يكوّن أحزاباً سياسية تحمل أسماء رنانة وبعضهم ينشئ مراكزَ بحوثٍ لزوم جذب المستثمرين، أمرٌ لا يمكن تصديقه قبل 40 عاماً، لكننا اليوم في عصر مختلف، قُوى تبحث عن تغيير قناعات الناس وقيمهم وأخلاقهم وحتى دينهم.

قبل أكثر من 15 عاماً، زرت شارع الحمرا في وسط بيروت، دخلت مكتبات عدة تحتوي على مؤلفات في شتى المجالات... ورصدت، داخل المكتبات، أكثر من خمسة أسماء لدور نشر تولت طباعة وتسويق كتب معروضة، دينية وفكرية وتاريخية، لمؤلفين يحملون أسماء عربية يسبقها عادة حرف (الدال)، وعند التحري والتدقيق، مع طول الصبر، تبين لي أن تلك الأسماء، «وهمية»، شخصيات ورقية يقف وراءها من يسعى لإفساد ثقافة أمتنا العربية.

لم تنجح تلك الأسماء الوهمية في إقناع الضمير العربي من أجل قراءة هذه الكتب، واستبدال معلوماتها المزيفة عوضاً عن تاريخنا الموثق، وحين فشلت في ذلك جاء الحل البديل، فكان الحل في الإنفاق بسخاء من أجل شراء عقول.

نعم شراء عقول... تكتب وتؤلف وتخاطب الجمهور عبر وسائل التواصل الاجتماعي بأسمائها الصريحة، كاشفة وجوهها من دون حياء، تحاور وتدافع وتنشر أفكارها في الكتب  ومنصات الإعلام المختلفة، كل ذلك من أجل خلق مجتمع عربي آخر، مجتمع بثقافة تم تصنيعها في سراديب الشر من أجل تزوير ثقافة أمتنا.

السؤال هنا، كيف نتعرف عليهم؟ كيف نكشفهم؟

كلنا قادرون على كشف هؤلاء الطفيليين الجدد، أشباه المثقفين الذين باعوا عقولهم وضمائرهم من أجل المال. إنهم من الطارئين على الثقافة، ليس لهم تاريخ معروف، ينبتون كالطفيليات لا يرتقون سلم الاجتهاد بل يقفزون على الخلافات، يُخرِجون من التاريخ أسوأ صفحاته ليتباكوا عليها ويمزقوا الأمة، يترأسون أحزاباً مصنوعة لهم، أو مراكز أبحاث لا تعرف أصول البحث العلمي، تجدهم  يجتهدون في كتابة المقالات ويتحدثون عبر وسائل الإعلام أحيانا بهدوء وأحياناً  بغضب لزوم إرضاء أصحاب المال، يهاجمون ما اتفقت عليه الأمة، يبحثون عن المتشابه ويزرعون الفتن، حججهم مهزوزة ومعلوماتهم مغطاة بالخداع.

وقد تجدهم يقودون مجموعات من العامة من الذين يستخدمون حناجرهم عوضاً عن عقولهم، تلك هي أهم صفات المستفيدين من المال الثقافي.

هؤلاء هم الذين باعوا ضمائرهم من أمتنا، هم الذين تم تخليقهم من أجل إفساد فكر الأمة وثقافتها، لكنهم سيفشلون كما فشلت تلك الأسماء الوهمية سابقاً.

إن عودة الوعي لدى شباب العرب أفشلت مخطط زرع ثقافات بديلة وحافظت على تراث أمتنا العربية المشرق.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي