منافسة شرسة بين أميركا والصين للسيطرة... والعين على التصنيف وأشباه المواصلات

سباق عالمي محموم للهيمنة تكنولوجياً وصعود إماراتي سعودي بالتقنيات الحيوية والناشئة

No Image
تصغير
تكبير

- أوروبا منافس قوي في التقنيات الحيوية والناشئة رغم ضعفها في أشباه الموصلات
- الذكاء الاصطناعي والفضاء تحديان يواجهان الهيمنة الأميركية رغم تفوقها الحالي
- الصين تقترب من اللحاق بالولايات المتحدة في التكنولوجيا الحيوية والكم

تُحقق القوة التكنولوجية نمواً اقتصادياً ونفوذاً جيوسياسياً وقوة عسكرية، لكن تحديد من يتصدر مجالاً معيناً، وبأي قدر، أمر مُعقّد، فيما يحاول مؤشر أعدّه باحثون في جامعة هارفارد، ونُشر حديثاً، قياس هذا الثقل. ويُصنّف المؤشر 25 دولةً في 5 قطاعات تشمل الذكاء الاصطناعي، وأشباه الموصلات، والتكنولوجيا الحيوية، والفضاء، وتكنولوجيا الكم. وليس غريباً أن تُهيمن أميركا على التصنيفات، لكن دولاً أخرى تُضيّق الخناق عليها.

وتشير دراسة «هارفارد» إلى أنه لا توجد هناك أي دولة أخرى تُضاهي الولايات المتحدة والصين في التقنيات الحيوية والناشئة، لكن هناك مجموعة ثانية من الدول، تظهر صعوداً إماراتياً وسعودياً في مجال التقنيات الحيوية والناشئة، وإن كانت في مرتبة متأخرة عن الاحتكار الثنائي الأميركي الصيني.

وحسب الترتيب، تتضمن مجموعة الدول التي تُضاهي الولايات المتحدة في التقنيات الحيوية والناشئة كلاً من اليابان، كوريا الجنوبية، المملكة المتحدة، ألمانيا، تايوان، فرنسا، الهند، روسيا، كندا، أستراليا، إيطاليا، هولندا، إسبانيا، سنغافورة، البرازيل، الإمارات، نيوزيلندا، تركيا، السعودية، إيران، أوكرانيا، وكوريا الشمالية.

ويعود تفوق الولايات المتحدة على الصين وأوروبا في جميع قطاعات المؤشر، إلى منظومة الابتكار الفريدة التي طورتها على مدى العقود الماضية. إذ يعتمد أداء الولايات المتحدة بشكل كبير على الموارد الاقتصادية ورأس المال البشري، ما ينعكس في حجم الاستثمارات العامة والخاصة الأميركية وتنوع قواها العاملة البحثية.

وقال التقرير إن منظومة الابتكار اللامركزية في البلاد - حيث تُوزّع الموارد والأفكار والصلاحيات على عدد لا يُحصى من الجهات الحكومية والجامعات والشركات الناشئة والشركات الكبرى - تُمكّن الجهات الفاعلة من تجميع الخبرات وتوسيع نطاق الابتكارات بسرعة.

ورغم أن الصين لاتزال متأخرة عن الولايات المتحدة، إلا أنها تتمتع بقدرة تنافسية عالية، وتعمل على تضييق الفجوة في قطاعات عدة. فيما أشار التقرير إلى أن الصين تتخلف في مجال أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي المتقدم، بسبب اعتمادها على المعدات الأجنبية، وضعف الأبحاث الخاصة، حيث مازالت في مراحلها المبكرة، وعدم العمق الكافي لأسواق رأس المال، لكنها أقرب بكثير إلى الولايات المتحدة في مجال التكنولوجيا الحيوية والكم، حيث تكمن نقاط قوتها في إنتاج الأدوية، والاستشعار الكمي، والاتصالات الكمومية.

وأضاف أنه بفضل الموارد الاقتصادية، ورأس المال البشري، والتخطيط المركزي، تستغل الصين الحجم الكبير لتقليل الاعتماد على الواردات، وجذب الابتكارات داخل حدودها، وتعزيز قدرتها التنافسية الصناعية.

وأشار التقرير إلى أنه من جانبها، تتمتع أوروبا بقدرة تنافسية عالية في التقنيات الحيوية والناشئة مقارنةً بالاحتكار الثنائي الأميركي الصيني. وتحتل أوروبا المركز الثالث في مجالات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية وتقنيات الكم. ومع ذلك، أوضح أن الصين وروسيا تتفوقان على أوروبا في مجال الفضاء، وتتفوق الصين واليابان وتايوان وكوريا الجنوبية عليها، في مجال أشباه الموصلات.

أوجه القصور

وأفاد أنه بالواقع، تُضعف أوجه القصور الأوروبية في مجال أشباه الموصلات مكانتها بشكل ملحوظ، مقارنةً بالولايات المتحدة والصين. وأن قدرة المنطقة على تحقيق إمكاناتها التكنولوجية في نهاية المطاف، ستعتمد على تكامل الحوكمة ورأس المال في جميع أنحاء المنطقة.

ولفتت الدراسة التي قامت بها «هارفارد» إلى أن الشراكات التعاونية مع أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية، تعزز موقع الولايات المتحدة بشكل ملحوظ في التقنيات الحيوية والناشئة، لا سيما في سياق الكم وأشباه الموصلات والتكنولوجيا الحيوية. كما تتمتع الولايات المتحدة بنفوذ كبير في جميع القطاعات، لكن من دون هيمنة كاملة. مستدلة على سبيل المثال، بأن أي دولة لا تتمتع بالسيطرة الكاملة والشاملة على سلسلة توريد أشباه الموصلات المتقدمة. وتُشكل هذه الفجوات قيوداً، ما يحد قدرة أي دولة على تشكيل توازن القوى العالمي بمفردها. ولضمان بقاء الغرب تنافسياً ومرناً، يجب على الولايات المتحدة تعميق تعاونها مع حلفائها وشركائها.

الذكاء الاصطناعي

من ناحية أخرى، أوضح التقرير أن الولايات المتحدة تتمتع بميزة كبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي، إلا أن الصين وأوروبا أحرزتا تقدماً ملحوظاً، وتتمتعان بمزايا فريدة ستُشكل تحدياً للريادة الأميركية في هذا المجال، خلال العقد المقبل. وتُهيمن الولايات المتحدة على هذا المجال من حيث مواردها الاقتصادية وقوتها الحاسوبية وخوارزمياتها. ومع ذلك، أظهر إصدار نموذج «R1» من «DeepSeek» وسلسلة نماذج «Qwen3» من «Alibaba» في 2025، أن ريادة الولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي قد تكون أكثر هشاشة مما كان يُعتقد سابقاً.

وتتصدر الصين مجال البيانات ورأس المال البشري؛ وستُساعدها هذه المزايا على تقليص الفارق مع الولايات المتحدة في هذا المجال، إذا تمكنت من التغلب على العقبات التي تُمثلها ضوابط التصدير الأميركية. وتنبع قوة أوروبا في مجال الذكاء الاصطناعي بشكل كبير، من بياناتها القوية ورأس مالها البشري، ما يمنحها القدرة على تعزيز قدراتها في هذا المجال، إذا حسّنت بيئتها الرقابية.

وأشار التقرير إلى أن بين التقنيات التي شملها المؤشر، أن الصين تمتلك الفرصة الأسرع للتفوق على الولايات المتحدة في مجال التكنولوجيا الحيوية؛ إذ يشير تضييق الفجوة بين الولايات المتحدة والصين، إلى أن التطورات المستقبلية قد تُغير موازين القوى العالمية بسرعة. ويتشابه أداء الولايات المتحدة والصين في مجال التكنولوجيا الحيوية بشكل عام، حيث ترتكز نقاط قوة الصين على رأسمالها البشري. وتتفوق الولايات المتحدة في مجالات الأمن، والهندسة الوراثية، وأبحاث اللقاحات، والتكنولوجيا الزراعية، مدعومةً بابتكارات القطاع الخاص والشراكات بين القطاعين العام والخاص. وتُهيمن الصين على إنتاج الأدوية من خلال استثمارات عامة واسعة النطاق، وتصنيع مدعوم من الدولة.

القطاع الخاص الأميركي

يسهم في الريادة القوية

حسب دراسة «هارفارد»، يُسهم القطاع الخاص الأميركي في الريادة القوية للولايات المتحدة في مجال الفضاء، إلا أن ضعفه في المدار أمام القدرات العسكرية الصينية والروسية يزيد المخاطر الإستراتيجية. وتنبع ميزة واشنطن من شراكات مثمرة بين القطاعين العام والخاص، ساعدت الولايات المتحدة على زيادة وتيرة إطلاقها وقدرتها على استيعاب الحمولة بشكل كبير، مع خفض تكاليف الترخيص.

ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة تعاني من ضعف غير متكافئ في مجال الفضاء، حيث تعتمد بشكل كبير على الأنظمة الفضائية في العمليات العسكرية، ودعم قطاعات حيوية من الاقتصاد الأميركي. كما تُقدم الصين وروسيا قدرات هائلة مضادة للأقمار الصناعية، ما يُعوّض ريادة الولايات المتحدة في الفضاء، ويزيد من تواجدها الإستراتيجي.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي