أضواء

بين هزيمة حرب 67 وعملية طوفان الأقصى

تصغير
تكبير

مرّت علينا منذ أيام ذكرى حرب الأيام الستة في يونيو 1967، التي بدأت في الخامس وانتهت في العاشر من ذلك الشهر، وقد هزمت فيها الجيوش العربية أمام الجيش الصهيوني، حيث شن الصهاينة هجوماً جوياً خاطفاً على القواعد العربية الجوية في جبهات متعددة خلال ساعات معدودة من الصباح، وحسم الصهاينة المعركة بتحييد سلاح الجو العربي، وانكشاف القوات البريّة التي تعرّضت لخسائر كبيرة من سلاح الجو الصهيوني. كانت الهزيمة فرصة ثمينة للصهاينة في احتلال ما تبقى من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، والقدس، وقطاع غزة، كما احتل الصهاينة سيناء ومرتفعات الجولان، وقد رفعت هزيمة العرب معنويّات الصهاينة، حيث زادت من تغوّلهم في منطقتنا العربية، وأصابت العرب بالإحباط والإنكسار النفسي، أمام الدعاية الصهيونية التي صوّرت جيش الصهاينة بأنه أسطوري، لا يمكن للجيوش العربية مجتمعة هزيمته، وعليهم التسليم بذلك، والاستسلام للأمر الواقع الذي فرضته الهزيمة عليهم.

مشاعر الصهاينة بنشوى التفوق العسكري، وضمان الأمن، والسيطرة على المنطقة العربية، تلاشت في حرب أكتوبر 73 أو العاشر من رمضان المبارك، حيث نجحت الجيوش العربية في مباغتة الجيش الصهيوني، والاشتباك معه، وتفويت الفرصة عليه في إحراز النصر الخاطف، بل تعرّض لإنهاك واستنزاف كبير في الحرب لم يكن يتوقعه، بعد تدمير الجيش المصري خط بارليف المنيع، وخسر الآلاف من جنوده الصهاينة، والمئات من آلياته العسكرية، والعشرات من طائراته الحربية والمروحية، الأمر الذي دفع حليفه الأميركي للتدخّل السريع، وإقامة جسر إمداد جوي يزوّد الجيش الصهيوني بالمعدّات العسكرية والقنابل والذخائر التي عانى نقصاً شديداً منها.

وللمرّة الأولى يشعر الصهاينة بالصدمة وانهيار معنوياتهم، وإدراك حجمهم الحقيقي، وتلاشي سكرة التباهي بتفوقهم العسكري، كما أعادت الحرب مشاعر التفاؤل والثقة في نفوس العرب، بأنهم قادرون على مواجهة الصهاينة.

ورغم أن الحرب لم تحسم بنصر كامل للعرب، إلاّ أنها أوجعت الصهاينة بسقوط الآلاف من جنودهم قتلى، ناهيك عن الأعداد الكبيرة من الجرحى، ومئات الأسرى، ولم يحققوا نصراً فعلياً على العرب، كنصرهم الخاطف في حرب 67.

وكما قال إيهود باراك، رئيس الوزراء الصهيوني السابق «ضاع شعور أن الجيش الإسرائيلي لا يهزم». ومع أن الصهاينة شعروا بالأمان وزوال شبح الخطر الخارجي المتمثّل بالحروب مع العرب بعد تطبيع علاقتهم مع بعض الدول العربية، والتوصّل إلى عقد «اتفاقية أوسلو» مع منظمة التحرير الفلسطينية، إلاّ أن عملية طوفان الأقصى البطولية، صدمت الصهاينة من الداخل بشكل مفاجئ، وأزالت عنهم مشاعر الأمن والسلام، كصدمة حرب العاشر من رمضان المبارك، وأعادت عقارب الساعة إلى الوراء، بإثارتها ذكرى نكبة فلسطين من جديد، كما تراءى لديهم شبح انهيار نظام الفصل العنصري المتوحش في جنوب أفريقيا، الذي أثبت أن انتصار المقاومة على محتل لا يتطلب التفوق العسكري عليه، بل يكفي الاستمرار في مقاومته، مع فضح جرائمه الفظيعة أمام العالم وعزله، ومعاملته كمجرم حرب، وهو ما ينطبق تماماً على الكيان الصهيوني المحتل، الذي فاق بوحشيته نظام الفصل العنصري، بارتكابه عن قصد حرب إبادة لسكان غزة المحاصرين منذ السابع من أكتوبر 2023.

ومرّة أخرى يعود الصهيوني إيهود باراك، ليقول: «إسرائيل على حافة الهاوية، وتواجه خطراً مباشراً على أمنها القومي». يقصد هاوية الانقسام الداخلي الذي سبّبته عملية طوفان الأقصى البطولية.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي