حروف نيرة

معك قرش تساوي قرشاً

تصغير
تكبير

يقول المثل الشعبي: (معك قرش تساوي قرشاً) فمن الناس من يقيّم الفرد حسب مستواه المادي؛ فالفقير لا قيمة له في نظره، فأصُد عنه ولا ألتفت إليه؛ لأنه مشوه لصورتي، ومجرد أن يراني أحد بالقرب منه فإنه ينقص من هيبتي.

أما الغني هو الذي يجعلني أشعر بالرفعة والمكانة العالية، حتى لو كانت العلاقة سطحية، وكلما ازداد التقرب إليه زانت الدنيا في عيني وتفاءلت؛ لأني سأحصل على كل ما تمنيت بواسطته، فلا همّ لي إلا التخطيط لطرق تجعلني صاحباً لمن يملك الثروة والأملاك والمنصب العالي، وأظهر بين الناس أني أعلاهم، والأهم ليس مجرد الظهور، فقد أنهل بشيء من ثروته عند التقرب إليه، وبمرافقة الغني أتعرف على الأغنياء وأصحاب العز والثروات الذين يرفعونني في حياتي كلها، ولا مانع من مجاملته وخدمته في كل ما يُطلب مني وتحقيق أوامره حتى لو كان في ذلك إهانة لي، ففي رضا ذوي الجاه وتبجيلهم رفعة معنوية ومادية.

تلك نظرة فئة من ناس لا هم لهم إلا المال، هي فئة ضعيفة الشخصية، ضيقة الفكر تنظر إلى جانب معرض للزوال، لا تلتفت إلى الأخلاق والمبادئ الأساسية التي ترفع الفكر وتطور كل جوانب الحياة، علمية أو مادية أو اجتماعية.

فصارت صحبة الأغنياء شرفاً لهم، والاحترام والتقدير يقتصر عليهم، مع الحذر من قرب الفقير ومتوسط الحال، والانعزال عن البسطاء خوفاً من الإساءة لنفسه وتشويه صورته.

موقف يذكره أحدهم: عندما كان في جلسة مع مجموعة، سألني أحدهم عن صاحب لي أيام المدرسة، وذلك قبل 30 سنة، وعن أحواله وعلاقتي به؟ استغربت من سؤاله؛ لأنه لا يعرف إلا اسمه، ولم يحتك به أبداً، والسائل ذاك الوقت كان طفلاً، والصاحب يكبره بـ20 سنة.

لم استوعب السؤال وكانت إجابتي: لا علم لي به إلا القليل، وسألني عن غيره وغيره، قلت: مع مشاغل الدنيا لا يظل معك إلا القليل، وذكرت اسم الذي مازال صاحباً، رأيت ملاح الغضب عند ذكر اسمه التي جعلتني في حيرة من تلك الأسئلة! فرد بشدة: هذا لا يستحق الصحبة؛ لأن نسبه ومستواه المادي يقلل من شأن الإنسان، أما البقية فقد كانوا جواهر نفيسة لنسبهم العالي، وعوائلهم المعروفة بالثراء، وهم الذين لا نفرط فيهم، انتهى الموقف!

ولكنه ظل في ذهني، هل يعقل أن يكون تقييم الناس بالنسب والمال، ولا نلتفت إلى الإخلاص والأخلاق والمعاملة الطيبة.

الإنسان مع التجارب ومعاشرة الناس وزيادة العمر، يتعلم الحياة أكثر، وتلك الفئة التي تقلل من شأن البسيط صاحب الأخلاق العالية والأطباع الطيبة، وترفع أصحاب الشركات ومن يلبس أغلى الثياب، وأشهر الماركات، ويقود أفخر السيارات، هي فئة يغلب عليها الجهل، والمحزن أن هؤلاء الأشخاص ازدادوا في المجتمع، ورغم زيادة أعمارهم لم تتغير نظرتهم.

aaalsenan @

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي