يُقصد بالتحول الرقمي، بشكل عام، دمج التكنولوجيا التقنية والمعلوماتية في الأنشطة والخدمات التي تقوم بها المؤسسات العامة والخاصة. وتهدف هذه العملية التحولية إلى الارتقاء بجودة الخدمات وكفاءتها، من خلال الاستفادة من البرمجيات الذكية التي تختزنها الحواسيب في تنفيذ الإجراءات وتقديم الحلول، مما يسهم في تقليل الأخطاء، وخفض الجهد البشري، وتقليص الوقت المستغرق مقارنة بالمعالجات التقليدية.
ولا شك أن هذا التحول لم يعد خياراً، بل أصبح اتجاهاً حتمياً للمؤسسات والشركات والدول لمواكبة العصر التكنولوجي. فالنظام التكنولوجي العالمي الجديد هو الذي سيحدد مستقبل العديد من جوانب حياتنا الخاصة والعامة. والفضاء الإلكتروني، الذي يختزن كماً هائلاً من المعلومات عن الأفراد والدول أكثر مما يعرفه الأفراد أو الدول عن أنفسهم، سيُعيد تشكيل أنماط ومفاهيم الحياة. حتى القانون، الذي طالما ارتبط بكونه وثيقة تنظم حياة المجتمعات، سيخضع هو الآخر لتأثيرات التحول الرقمي وما يحمله من رياح التغيير.
العمل، التعليم، الصحة، العلاقات الاجتماعية، والسياسات الاقتصادية، كلها ستكون تحت طائلة التغيير، حيث ستتشكل وفق شبكات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات العنكبوتية. كذلك، فإن مفاهيم ونماذج السيادة، والحروب، والردع، والتحالفات، والإرهاب، والدبلوماسية، والاستخبارات، والتجارة الدولية، والمنظمات العالمية والإقليمية، وحتى الحركات غير الحكومية والمدنية، ستتأثر تأثراً مباشراً بالتحولات الرقمية التي يشهدها العالم.
وقد أحسنت الهيئة العامة للاستثمار صنعاً بانضمامها كممول رئيسي للتحالف الكبير الذي تقوده الشركات العملاقة في مجال الذكاء الاصطناعي. فهذه المشاركة لا تقتصر على استهداف الأسواق الواعدة وعوائدها فحسب، بل تسهم في وضع الكويت في مقدمة الدول المشاركة في إنتاج برامج وخوارزميات المستقبل الإلكترونية. ونأمل أن تنعكس هذه المشاركة إيجاباً على تطوير المنصات والمناهج التعليمية في الكويت، فضلاً عن تعزيز مؤسساتها بقوة الذكاء الاصطناعي والمعرفة الرقمية.
ورغم الفوائد الجمة التي سيجنيها العالم والمجتمعات والأفراد من التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، إلا أن التحديات والمخاطر تظل قائمة. فعلى سبيل المثال، قد تتحول أنماط الجرائم التقليدية إلى جرائم إلكترونية أشد وطأة وأكثر تعقيداً. كما أن أحد أبرز التحديات التي ستواجه البشرية يتمثل في التغير الثقافي والاجتماعي المصاحب لعملية الرقمنة. والسؤال الملح الذي يطرحه البعض هو: هل سيكون تطوير الذكاء الاصطناعي على حساب الذكاء البشري؟ أي إنه إذا تطورت قدرة الآلة على التفكير، هل سيقود ذلك إلى بلادة فكرية لدى الإنسان؟
الإنسان، في جوهره، كائن اجتماعي لا يستطيع العيش بمفرده، بل فُطر على التعارف والتواصل المباشر مع الآخرين. وهذا التواصل المباشر مشبع بالعواطف والمشاعر والقيم والأخلاق والعادات والتقاليد، بخلاف التواصل عبر الآلة الذي يتسم بالجفاف والانفصال والعزلة. وبناءً على هذا التخوف، المستند إلى وقائع ومعطيات بيانية، يصبح من الضروري تحقيق توازن طبيعي بين إنسانية المجتمعات والآثار الجانبية التي قد تخلّفها الوسائل التكنولوجية.
إن العزلة الاجتماعية والتواصل الجاف الخالي من المشاعر، إضافة إلى ما قد تخلفه برمجيات الذكاء الاصطناعي من بلادة فكرية وإبداعية، قد تؤدي إلى نشوء مجتمعات تبتعد عن فطرتها البشرية. وهذا أمر يتطلب تفكيراً عميقاً في أبعاده ونتائجه. لذا، فإن الدعوة لتحقيق توازن بين الفطرة الإنسانية والفكرة التقنية تُعد أمراً ضرورياً ومستحقاً.