ربيع الكلمات

كيف نفرح بالأعياد؟

تصغير
تكبير

«إن العيد في حقيقته عيد القلب، فإن لم تملأ القلوب المسرة ولم يترعها الرضا ولم تعُمها الفرحة كان العيد مجرد رقم على التقويم». علي الطنطاوي

عيد الأضحى ليس مجرد مناسبة موسمية تتكرر كل عام، بل هو مشهد إيماني عظيم تتجدد فيه الروح، وتُغسل فيه القلوب بماء الطاعة، وتُروى الأرواح بنفحات الذكر والتقرب، إنه يوم يفيض بالسكينة والرحمة، وتتنزل فيه معاني العبودية الخالصة.

يأتي عيد الأضحى في العاشر من ذي الحجة، متزامناً مع أعظم مناسك الإسلام إنها فريضة الحج، حيث يرتفع نداء التوحيد، وتمتد قوافل العابدين، ويعلو صوت التكبير، ليملأ الأفق: «الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد» وتكون أُولى لحظات الفرح مع إشراقة الصباح حيث يتسابق الناس لأداء صلاة العيد، يجتمعون في ساحات الأمل، يحملون في قلوبهم دعواتٍ، وفي وجوههم ابتساماتٍ، تعكس صفاء اللحظة وسمو المقصد ووحدة المسلمين ومشاعرهم المشتركة.

ثم تأتي شعيرة الأضحية، إحياءً لسنة الخليل إبراهيم، الذي رأى الرؤيا فصدقها، واستجاب لأمر ربه دون تردد، وفي كل أضحية تُسفك دماؤها، تتجلى معاني الإيمان المطلق، والطاعة المجردة، والتضحية الصادقة، وتُقسَّم اللحوم، فيتذوق الأغنياء والبسطاء من مائدة الرحمة، ويعم الخير بيوت المحرومين، وتُنسج خيوط الأخوة من جديد.

عيد الأضحى عيد الابتسامة التي تُهدى لكل من عرفت ومن لم تعرف، عيد السلام الذي يُغرس في الطرقات، عيد المودة التي تُصاغ بكلمة حانية أو مصافحة دافئة، شرعه الله لتلتقي الأرواح، وتتعانق القلوب، وتزول بين الناس رواسب الجفاء، وهو رسالة أن الفرح عبادة، وأن السرور قربى، وأن نشر الفأل الحسن من الدين.

في يوم العيد، لا يُنسى الفقراء ولا اليتامى ولا أصحاب الحاجات، بل يكون العيد عندهم أكمل ما يكون، حين تمتد إليهم أيدي العطاء، وتُرسم على وجوههم ملامح البهجة، وحين ننظر إليهم بعين الرحمة، نُدرك أن السعادة لا تُشترى، ولكنها تُهدى.

ومن تمام الفرح أن نشكر الله على نعمه الظاهرة والباطنة، أن نحمده على ما هدانا، ونكبره كما أرشدنا: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (سورة البقرة: 185).

الفرح في العيد ليس مظهراً فحسب، بل هو حالة إيمانية يتذوقها القلب، هو لحظة صفاء تهمس للنفس أن تغتسل من همومها، وتتخفف من أوجاعها، وتُقبل على الحياة بوجه طلق ونفس مطمئنة.

والأطفال ينتظرون العيد بشغف، يحملون أحلامهم الصغيرة إلى صباحه البهيج، يفرحون بالعيدية، ويلبسون الجديد، ويتنقلون بين الزيارات وقد سكنت في أعينهم النجوم، والبيوت تمتلئ بصلة الرحم، والموائد تزدان بما لذ وطاب، فيكتمل المشهد بألوان المحبة والحنين.

العيد، في جوهره، ليس فقط مناسبة، بل هو فرصة لنمسح دمعة، ونجبر خاطراً، وننقّي علاقتنا بأنفسنا وبالآخرين، فهو إعلان مفتوح أن الحياة لاتزال بخير، ما دامت فيها قلوب تعرف الشكر، وأرواح تعرف الصفح، وأيدٍ تعرف العطاء.

فلنصنع الفرح بقلوبنا قبل جيوبنا، ولنزرع السعادة في دروب من نحب، وفي طرقات المساكين، وبين جدران المستشفيات، وفي وجوه الغرباء، فالعيد لا يُقاس بكثرة المال، بل باتساع القلب.

ويقول أحد الحكماء: «إذا لم تجد للفرح سبباً، فاصنعه للآخرين، وراقب كيف يعود إليك بأضعاف ما قدمت. هذا هو عيد الأضحى، وهذه هي فرحته: طاعة تتوجها الرحمة، ومغفرة تكتنفها المودة، وإنسانية تتجلى في أبهى صوره، «ليكن العيد عندنا مشروعاً متجدداً لنشر الفرح، وإحياء الأمل، وتعظيم الشعائر في قلوبنا وقلوب من نحب».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي