تراجع قوة ترامب التفاوضية باستمرار نظر القضايا أمام المحاكم
«الوطني»: تفادي الركود الأميركي بإخماد فتيل التصعيد الجمركي
اعتبر تقرير بنك الكويت الوطني، أن الاقتصاد العالمي يعاني من تبعات سياسة الرسوم الجمركية الأميركية، إذ ساهم قرار المحكمة الأميركية الأخير في تصعيد حالة عدم اليقين.
وفي ظل استمرار المنازعات القضائية المتعلقة بهذه الرسوم، يصعب توقع تحقيق تقدم ملموس في المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين. إلا أنه رغم هذه التطورات، تؤكد الإدارة الأميركية تمسكها بخطط فرض الرسوم الجمركية، مع استعدادها لاستخدام آليات بديلة إذا استدعت الحاجة.
وذكر التقرير أن البنك المركزي الأوروبي يواجه ضغوطاً تدفعه إلى خفض جديد لسعر الفائدة، وذلك في ظل توقعات لمفاوضات تجارية صعبة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. فيما تتباين التوقعات في المملكة المتحدة، رغم إبرام بعض الاتفاقيات الإيجابية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والهند، نظراً للدعم المحدود لناحية السياسات المالية والنقدية وحالة عدم اليقين السائدة في التجارة العالمية.
وفي اليابان، اعتبر التقرير أن ارتفاع عائدات السندات يساهم في تعقيد مهمة بنك اليابان، ويبرز التحديات المتعلقة بالمالية العامة. وأخيراً، فرغم تصاعد التوترات أخيراً بين الصين والولايات المتحدة، إلا أن العودة إلى نهج تهدئة التصعيد بين الطرفين يبقى احتمالاً قائماً.
الولايات المتحدة
ويلفت التقرير إلى أنه بغض النظر عن المسار الذي ستأخذه التطورات القانونية التي ظهرت أخيراً على الساحة في ما يتعلق بالرسوم الجمركية، فمن المرجح أن تظل الإدارة الأميركية ملتزمة بخططها لفرض هذه التعريفات، مع استعدادها لاستخدام وسائل بديلة إذا استدعى الأمر. إلا أنه رغم ذلك، ومع استمرار القضايا المعروضة أمام المحاكم، تتراجع القوة التفاوضية للرئيس ترامب بشكل كبير في مفاوضاته مع الشركاء التجاريين الرئيسيين للولايات المتحدة.
والأهم من ذلك، أنه لا يمكن توقع تقدم كبير في المفاوضات التجارية الأميركية طالما ظل الملف القضائي معلقاً. ورغم تفاقم حالة عدم اليقين منذ تولي ترامب منصبه، إلا أن مستوى جديداً من عدم اليقين القانوني ظهر نتيجة للتطورات القضائية.
وبعيداً عن التطورات القضائية، يظل 9 يوليو، موعد انتهاء التوقف الموقت للرسوم الجمركية المتبادلة بين الولايات المتحدة ودول العالم، تاريخاً محورياً. وتمكنت الولايات المتحدة والصين سابقاً من تهدئة الحرب التجارية بينهما، إلا أن المفاوضات توقفت وتصاعدت التوترات أخيراً. ورغم احتمال استمرار التصعيد بعد انقضاء مهلة الـ90 يوماً، إلا أن السيناريو الأكثر منطقية يتوقع استئناف التوجه نحو خفض التصعيد، في ظل وعي الاقتصادين الأكبر في العالم بالضرر الاقتصادي الكبير الذي قد ينجم عن حرب تجارية شاملة.
في ذات الوقت، أقر مجلس النواب «مشروع القانون الكبير والجميل» الذي تقدم به الحزب الجمهوري، غير أنه يعد خطوة في الاتجاه الخاطئ، نظراً لما قد يؤدي إليه من زيادة الدين العام، الذي بات على مسار غير قابل للاستدامة، رغم ما قد يحققه من دعم للنمو الاقتصادي على المدى القصير. ويعرض المشروع حالياً على مجلس الشيوخ، إذ يتوقع إدخال بعض التعديلات عليه، وإن كان من المرجح أن يحتفظ بطابعه كقانون يسهم في زيادة الدين.
وعلى صعيد الأداء الاقتصادي، انكمش الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول من العام نتيجة للرسوم الجمركية، بينما حافظ سوق العمل على قدر كبير من المرونة، مع وصول متوسط الزيادة الشهرية في الوظائف إلى 155 ألف وظيفة خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
وبناءً على ذلك، يرجح أن يواصل مجلس الاحتياطي الفيدرالي سياسة الانتظار والترقب، في ظل تسعير الأسواق حالياً لاحتمال خفض سعر الفائدة نحو مرتين بمقدار 25 نقطة أساس لكل منهما قبل نهاية العام الجاري.
ويقدر التقرير أن الركود في الولايات المتحدة أمر يمكن تفاديه ما لم يعاد إشعال فتيل التصعيد الجمركي مجدداً.
وكان التراجع السابق في وتيرة التصعيد أدى إلى تحفيز التعافي السريع في أداء مؤشر ستاندرد أند بورز 500، الذي عكس اتجاه الهبوط السابق بحدة واتخذ شكل حرف V، وذلك رغم أن مؤشر الدولار لايزال أقل 10 في المئة مقارنة بأعلى مستوياته المسجلة في يناير الماضي.
مفاوضات صعبة أميركية - أوروبية
تعتبر التطورات التجارية لدى الاتحاد الأوروبي (أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة) من العوامل الجوهرية في تشكيل الآفاق المستقبلية، لاسيما بعد تهديد الرئيس ترامب برفع الرسوم الجمركية «المتبادلة» على الاتحاد الأوروبي إلى 50 في المئة. وحتى في حال تم تأييد الحكم الابتدائي بوقف هذه التعريفات، فإن الرسوم المفروضة على قطاعات محددة مثل صناعة السيارات والصلب والألمنيوم، والتي ستتضاعف قريباً، لاتزال سارية، فضلاً عن وجود رسوم جمركية أخرى قيد الإعداد، ما يجعل منطقة اليورو عرضة للمزيد من الصدمات التجارية.
وتكررت تصريحات ترامب التي تعكس عداءً واضحاً تجاه الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى اختلال كبير في ميزان تجارة السلع لصالح الاتحاد الأوروبي، ما يزيد صعوبة المفاوضات المتوقعة بين الطرفين. ويضاف إلى ذلك أن هيكل الاتحاد الأوروبي المعقد وبطء عملية صنع القرار تشكلان عائقاً إضافياً في سبيل التوصل إلى تفاهمات سلسة. إلا أنه على الرغم من ذلك، يبدي مسؤولو الاتحاد الأوروبي رغبة واضحة في تجنب تصعيد النزاعات مع الولايات المتحدة.
الصين: نمو قوي
تجاوز التوقعات
سجل الاقتصاد الصيني نمواً قوياً بـ 5.4 في المئة على أساس سنوي في الربع الأول من العام على الرغم من التحديات، متجاوزاً التوقعات والمستوى المستهدف للحكومة البالغ «نحو 5 في المئة» لعام 2025. وواصلت الصادرات أداءها القوي، مسجلة ارتفاعاً بنسبة 12 في المئة و8 في المئة على أساس سنوي في مارس وأبريل، على التوالي، ما ساهم في تعويض تراجع الصادرات إلى الولايات المتحدة من خلال زيادات ملحوظة إلى دول أخرى، أبرزها شرق آسيا.
وشكل خفض التصعيد السابق مع الولايات المتحدة مصدر ارتياح واضح للأسواق. وبدت الصين في مركز أقوى خلال تلك المرحلة، حتى قبل صدور الأحكام القضائية الأخيرة في الولايات المتحدة. وباستثناء الرسوم الجمركية المفروضة 20 في المئة على المنتجات المتعلقة بالفنتانيل، أبقت الولايات المتحدة تعريفة عامة 10 في المئة على معظم الواردات الصينية، وهي نسبة مماثلة لتلك التي فرضتها الصين على السلع الأميركية. وعلى عكس الصين، فإن معظم الدول الأخرى لم ترد على هذه الرسوم، رغم تأثرها بها. ورغم احتمال التصعيد لايزال قائماً بعد انقضاء مهلة التسعين يوماً، (خاصة في ظل تعثر المفاوضات القائم حاليا) إلا أن المرجح سيناريو استئناف نهج التهدئة وخفض التصعيد في العلاقات التجارية بين الجانبين، كما أسلفنا الذكر.