الرأي اليوم
أمْران ضَرُورِيّان لاستكمال «ترشيق» الإدارة



مع صدور قرار مجلس الخدمة المدنيّة الذي اعتمد الهياكل التنظيميّة لكلّ الهيئات الحكومية تكون الحكومة الكويتية برئاسة سمو الشيخ أحمد العبدالله أوفت فعلاً بما تعهّدت به لجهة البدء بترشيق الإدارة وترشيدها وجعلها أقل حجماً وأكبر فاعلية. فالتنظيم قضى بوجود وكيل وزارة ومعه وكيلان مساعدان الأول لشؤون الوزارة أو الإدارة نفسها أو ما سُمّي «الأمور ذات العلاقة بالنشاط الأساسي للجهة»، والآخر لمُتابعة الأمور المُساندة بفروعها المالية والإدارية والفنية واللوجستية، ويتبع الوكيل مدير عام يشرف على مُتابعة الأمور التنفيذيّة.
وجاء في القرار ضرورة الالتزام بأن يكون الهيكل التنظيمي «منضبط» بناء على التوجّه العام بعدم التوسّع في الهياكل التنظيمية، وأن تعمد الجهات الحكومية في موعد أقصاه أسبوعان إلى إعادة النظر في هياكلها التنظيميّة وإرسال تصوّراتها إلى ديوان مجلس الخدمة المدنية.
كنتُ كتبتُ في مارس الماضي افتتاحية بعنوان «لا إنجاز بوجود هؤلاء»، تحدّثت فيها عن خلل الإدارة وجيش القياديّين المُتراكم والبيروقراطية، وأنّ هذا الخلل سيضرب المشاريع لعجز هذه الإدارات وضعفها، واقترحتُ إعادة تنظيم الإدارة عبر إعادة تأهيل قياديّيها... وكنّا على يقين بأن رئيس الحكومة المعروف بخبرته في بيئة الأعمال الناجحة لن يرضى باستمرار الوضع الراهن.
صدر القرار، وبدأ وضع القطار الإداري على السكة الصحيحة للانطلاق، لكن المسير السلس من دون عقبات يقتضي استكمال الخطوة بأخرى جدّية إصلاحية تجمع فعلاً بين الإرادة والإدارة.
خُطوات كثيرة مطروحة أمام أصحاب القرار في الحكومة، لكنّنا نرى وجوب التركيز على أمرين أساسيين:
الأول، تكريس تعيين المسؤول على رأس إدارة هذا الجهاز أو القطاع أو المُؤسّسة أو الهيئة من «بيت الإدارة» فأهل البيت أدرى بشعابه. خصوصاً أن القيادي الذي تدرّج في المسؤوليات واحترف الأمور التقنية والفنية وكل ما له علاقة بمكان عمله يجب أن تكون له الأولوية في التعيين، ليس تكريماً لمسيرته فحسب بل للاستفادة من خبرته ووضع الرجل الأمثل في المكان الصحيح. وخير مثال على هذا النهج ما حصل في الإدارة العامة للجمارك، حيث تمّ ترشيح شخصيات مُحترمة ومشهود لها بالعطاء من خارج الإدارة لكن القاعدة الذهبية قضت بأن يكون على رأس الإدارة ابن بيت الجمارك، وتم اختيار مدير عام بالتكليف قبل تعيين مدير بالأصالة... وما حصل في الجمارك سنّة حميدة يُشكر صاحب الفضل عليها حفظه الله ورعاه. وهذا الأمر يجب أن ينسحب على كلّ الجهات في الدولة.
الأمر الثاني، وجوب الاستغناء في بعض الإدارات والمُؤسّسات والهيئات والجهات عن منصب «الرئيس»، إذ ثبت أحياناً أن وجود «رئيس» غير مُلمّ بطبيعة العمل ووصل إلى منصبه إما لإرضاء سياسي أو لإرضاء عائلي أو لمنحه جائزة ترضية بعدما وعد بمنصب هنا أو هناك، إن عدم انسجامه مع فريق العمل من وكلاء ومديرين كان السبب الأساسي لجمود هذه الجهات وتراجعها... ويشهد الفضاء الإعلامي على أكثر من قضية فجّرتها خلافات شخصية ونكايات أدّت بالتالي إلى تكبيل المرفق وتراجعه.
بدراسة مسار الإدارات الحديثة والفاعلة في الدول المُتقدّمة، اتضح أن جهات كثيرة لا تحتاج إلى رئيس يديرها بل يوكل الأمر إلى مدير عام تدرّج في منصبه ويعرف كلّ تفاصيلها ومُقوّمات النجاح والفشل فيها، خصوصاً إذا كانت الإدارة تضمّ هيكلاً قيادياً من مُحترفين وخُبراء أبلوا بلاء حسناً... ولا ضير في أن تستعين هذه الجهات بخبرات خارجية تلعب دوراً في تسريع الإنجاز.
نحن نتحدّث هنا عن الأسلوب الأمثل لترشيق الإدارة...لتحديثها... لمنحها مرونة أكبر تُخفّف الدورات المُستنديّة والتواقيع والمُراجعات، وبالتالي لجعلها أكثر إنتاجية بعشرات الأضعاف مما هي عليه في إطار البيروقراطية. ويعلم كثيرون أن وزارات بأكملها في أوروبا وأميركا ألغيت وحلّت مكانها هيئات ومُؤسّسات يتولّى قيادتها مديرون مُجرّبون حيويّون وفاعلون ولديها جهة إشرافية بعيدة عن صلب اتخاذ القرار.
في مُخاطباتنا الدائمة للحكومة حول ضرورة إنجاز الثورة الإدارية على البيروقراطية، اقتبسنا أن «رجل الدولة يُريد أن يعمل شيئاً من أجل بلاده. والرجل السياسي يُريد من بلاده أن تفعل شيئاً من أجله»... مرة أخرى، الكويتيّون يُريدون من الحكومة مُجتمعة أن تستمرّ في مسار «رجل الدولة» تمهيداً لرؤية إدارات أكثر رشاقة ومرونة وإنتاجية وفاعلية.