سافر إلى ذاتك

النرجسي الخفي... حين ترتدي السيطرة ثوب الهدوء

تصغير
تكبير

يبدو هادئاً، ودوداً، وربما رومانسياً أو مهذباً بشكل مبالغ فيه... لكنه في الحقيقة أخطر من النرجسي الصريح. النرجسي الخفي لا يصيح في وجهك، بل ينسحب في الوقت الذي تحتاجينه فيه. لا يهينك أمام الناس، بل يُشعرك بأنك دائماً مخطئة بطريقة تجعلك تشكّين في نفسك. هو الشخص الذي يلبس قناع الضعف ليتحكم، ويستخدم حاجته العاطفية كسلاح لإسكاتك.

في جلسة علاجية مرّت عليّ، كانت هناك حالة تعاني من شعور دائم بالذنب تجاه زوجها. تقول: «كل ما أطلب شيئاً، يتضايق، ويسكت، ويقعد بالأيام زعلان. وإذا واجهته، يقولي: مو انتي اللي قلتي إنج تبين راحتي؟».

بدا من حديثها أنها تعيش في دوامة من الإنكار الذاتي والاحتياج العاطفي، لأنها صدّقت أنها هي السبب، بينما الحقيقة أن الشريك يستخدم التكتيك الأخطر: التلاعب العاطفي الهادئ. وهذا بالضبط ما يفعله النرجسي الخفي: لا يصنع العاصفة... بل يصنع الجفاف.

من الناحية العلمية، يُظهر النرجسي الخفي مستويات عالية من النرجسية الحساسة (vulnerable narcissism)، وهو نوع يرتبط بنقص في التقدير الذاتي ومشاعر مزمنة بالخوف من الرفض. لكنه بدلاً من طلب الدعم بشكل صحي، يُسقِط احتياجه على الطرف الآخر، فيجعله مسؤولاً عن راحته النفسية بالكامل. فيدمن الطرف الآخر محاولة إنقاذه، معتقداً أن القرب منه «واجب حب» ليس خياراً.

الحل يبدأ من الوعي: لا تنتظري صراخه حتى تكتشفي نرجسيته، بل راقبي صمته. لا تنتظري أن يهينك علناً، بل لاحظي كيف يشكك فيك خفية. اسألي نفسك:

هل أشعر بالحرية في التعبير معه أم بالذنب؟ هل أشعر بالدعم أم بالاحتياج المستمر؟ الإجابة غالباً ما تكون كاشفة.

ثم يأتي دور الحدود النفسية: ضعي حدوداً واضحة بين ما هو مسؤوليتك وما هو مسؤولية الآخر. لا تحملي جوعه العاطفي وكأنه اختبار لحبك. وتعلمي فن قول

«لا» دون شرح مفرط أو شعور بالذنب. هذه مهارة تُبنى... ومع الممارسة تتحول إلى قوة داخلية.

وأنا من خلال برامجي ومحتواي في موقعي د. نادية الخالدي، أعمل مع الحالات التي تتعرض لهذا النوع من العلاقات، لأعيد بناء الهوية المهزوزة، وتحرير النفس من ربطة الذنب، وصناعة نسخة قوية ومتعاطفة مع ذاتها. ليست المسألة فقط في التخلص من النرجسي، بل في شفاء الجزء الذي صدّق كذبه.

فالنرجسي الخفي لا يتغير، لكنه يُكشف. وعندما تكشفينه، أنتِ تختارين: إما أن تكوني ظلاً له، أو نوراً لنفسك!

تحياتي.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي