ألوان

«كان»... يا مهرجان!

تصغير
تكبير

حققت القضية الفلسطينية نصراً ثقافياً كبيراً ضد الرواية الصهيونية في مهرجان كان، عبر الحضور المتميز، الأمر الذي يعكس أهمية الأنشطة الثقافية والفنية العالمية التي تحظى بمتابعة كبيرة.

ويقام مهرجان كان السينمائي الدولي كل عام على أرض مدينة كان الفرنسية، ويعتبر من أهم المهرجانات السينمائية في العالم ويعرف بكونه منصة لإطلاق الأفلام الجديدة وتقديم الجوائز الفنية المرموقة، كما أن المهرجان يجلب الكثير من المال على الاقتصاد الفرنسي.

وهناك تنافس على جائزة السعفة الذهبية التي تقدم بين الأفلام المتنافسة في كل عام منذ سنة 1955م، ناهيك عن الحضور الفني الكبير لنجوم العالم في الإخراج والتمثيل والنقاد الصحافيين.

وعقدت الدورة الثامنة والسبعين قبل أيام وسط أجواء احتفالية وحضور واسع لأبرز نجوم وصناع السينما من مختلف أنحاء العالم، وكانت القضية الفلسطينية حاضرة بشكل عام وأحداث غزة بشكل خاص، خاصة أن هناك تعاطفاً كبيراً من قبل بعض المخرجين والممثلين العالميين.

وتكونت لجنة التحكيم لهذا العام برئاسة الممثلة الفرنسية جولييت بينوش، وهي واحدة من أبرز نجمات السينما الفرنسية والعالمية التي قالت إن المهرجان يكرم المصورة الفلسطينية فاطمة حسونة، بعد استشهادها عبر عرض الفيلم الوثائقي «ضع روحك على كفك وسر» مع المخرجة الايرانية سبيدة فارسي، التي قالت إن الفيلم ردة فعل فنية على المجازر المقترفة في حق الفلسطينيين.

وأضافت النجمة جوليت بينوش، لقد قتلت المصورة الصحافية الفلسطينية فاطمة حسونة، البالغة من العمر 25 عاماً مع عشرة من أقاربها بصاروخ أصاب منزلهم وقد سبق لها أن كتبت قبل رحيلها «مر بي الموت واخترقتني رصاصة مطلقة وأصبحت ملاكاً في عيون شاسعة أكبر من أحلامي، أصبحت شاعرة مقدسة في عيون الغابة، أصبحت ناسكاً وأقدم شجرة سرو قرباناً».

وبيّنت بينوش، أنه في اليوم السابق لوفاتها تلقت نبأ اختيار فيلم وثائقي عن تجربتها للمشاركة في مهرجان كان للأفلام السينمائية.

وأضافت، كان ينبغي أن تكون فاطمة معنا الليلة ويبقى الفن خالداً لأنه شهادة قوية على حياتنا وأحلامنا ونحن الجمهور نحتضنه.

وقد لفت الانتباه الفيلم الفلسطيني «كان يا ما كان في غزة» بحفاوة كبيرة خلال عرضه العالمي الأول ضمن قسم «نظرة ما» بمهرجان كان السينمائي للأخوين عرب وناصر طرزان، حيث تدور أحداث الفيلم في غزة عام 2007م، حيث يتتبع قصة يحيى، الطالب الجامعي الذي يكوّن صداقة غير متوقعة مع أسامة، صاحب مطعم فلافل ذي شخصية كاريزمية، معاً ينخرطان في تجارة المخدرات تحت ستار توصيل السندويشات قبل أن تبدأ الأمور في الانهيار تحت تهديد شرطي فاسد يسعى لابتزازهما.

يقدم الفيلم كوميديا سوداء تمزج ببراعة بين السخرية والدراما الاجتماعية بأسلوب سينمائي مستوحى من أفلام الغرب الأميركي من حيث الشكل البصري مع معالجة جريئة ومتعمقة للواقع الفلسطيني داخل غزة حيث تتجلى سيطرة بعض الفصائل على حساب فصائل أخرى ما ينعكس على حياة الناس اليومية ومعاناتهم المستمرة.

ولكن الأهم ما حدث قبل العرض حين عبّر الأخوان ناصر، عن إدانتهما الشديدة للاحتلال الإسرائيلي والقتل اليومي الذي يتعرّض له المدنيون في غزة، مؤكدين أن له أهلاً وأصدقاء لا يعرفون مصيرهم من ساعة لأخرى ويكافحون يومياً للنجاة وسط الدمار، واختتما كلمتهما بالقول ستنتهي الحرب لا محالة لكن العار سيظل يلاحق الإنسانية.

ويأتي هذا الفيلم كثالث عمل روائي طويل للأخوين ناصر بعد أفلامهما السابقة مثل «ديجريد وغزة مون امور» بطولة نادر عبدالحي ومجد عيد ورمزي مقدسي وإسحاق إلياس، وتم تصويره باللغة العربية.

لقد أحدثت غزة إزاحة ما في نفوس وأفكار الحاضرين فانعكس ذلك فرحاً وحزناً وغضباً، حيث إن بعض المواقف حدثت منها أن رجل أمن في المهرجان عبّر عن غضبه من ارتداء بعض الضيوف الكوفية الفلسطينية تعبيراً عن دعمهم لأهل غزة.

وتناولت وسائل الإعلام العالمية المختلفة الحضور المتميز الإعلامي والناشط الاسترالي جوليان أسانج، الذي ارتدى قميصاً كتب عليه أسماء 4986 طفلاً قتلوا في غزة فكان ذلك هزيمة بالضربة القاضية للكيان الصهيوني.

كما حصل الفيلم العراقي «كعكة الرئيس» بجائزة اختيار الجمهور في المهرجان، حيث إن العراق شارك بفيلم آخر هو «سعيد أفندي» إخراج وارث كويش، بدعم من الحكومة العراقية.

نعم، بإمكان العرب التركيز على هزيمة الكيان الصهيوني عبر الثقافة بمفهومها الشامل ومنها السينما وهي وسيلة لبث الوعي ولتوصيل الرسائل ولا نريد من بعض الأفلام التي تحضر من أجل الحضور ولا نريد حضور ممثلات عربيات لا يركزن إلا على ما يرتدين من أزياء دون التحديق في الفكر الذي تقدمه السينما العالمية وندرك معاً إلى أي مدى نحن متأخرون.

ولن أتكلم عن السينما في الكويت وهي الرائدة خليجياً والتي تعاني من شبه الشلل بسبب عدم الدعم وقد سبق وان حققت حضوراً متميزاً وحصلت على جوائز سينمائية عندما قدم المخرج الراحل خالد الصديق، فيلم «بس يا بحر»، ثم جاءت الانتكاسة السينمائية ومعها الانتكاسة الرياضية بعد وصول منتخب الكويت لكأس العالم عام 1982م إلى يومنا هذا.

إنّ الذي يريد تقديم سينما راقية لا يشترط أن تكون لديه إمكانات كبيرة مادياً وفنياً وهذا ما حققه الفيلم الهندي الذي حصل على تصفيق كبير وطويل، إضافة إلى إشادة كبيرة من النقاد والقائمين على إدارة المهرجان، حيث كان هناك حضور مميز للفيلم الهندي «ماسان» حيث حصل الفيلم على جائزة الاتحاد الدولي لنقاد السينما وجائزة «أفينير» المعروفة أيضاً بجائزة المستقبل الواعد، وهو فيلم إنساني يتناول مفهوم الصداقة التي تتجاوز الطائفة والطبقة في مجتمع مليء بالاحتقان الطائفي والطبقي، الأمر الذي سلّط الضوء على مخرج سينمائي هندي اسمه نيراج غايوان، الذي سيشكل انعطافة جديدة في مسيرة بوليوود العريقة.

همسة:

أتمنى إنتاج فيلم سينمائي عربي بمواصفات عالمية لتوصيل روايتنا.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي