تمتلك منظمة أوبك القدرة على رفع أسعار النفط عبر استخدام آلية خفض الإنتاج، إلا أن هذا الخيار لا يخلو من التحديات. فمثل هذا الإجراء يؤدي بطبيعة الحال إلى تآكل الحصص السوقية للدول الأعضاء في المنظمة، ويمنح الدول المنتجة من خارج أوبك فرصة للاستحواذ على حصة أكبر من الأسواق العالمية، وهو ما يشكل معضلة حقيقية تواجه المنظمة البترولية.
ومع استقرار سعر برميل النفط عند نحو 65 دولاراً، وهو نطاق سعري «ضار» ومكلف بالنسبة للدول المنتجة، يتعزز هذا التحدي، لا سيما أن معظم دول أوبك بحاجة إلى أسعار تفوق 90 دولاراً للبرميل لتحقيق التوازن المالي ومقابلة النفقات المتزايدة.
في ظل هذا الواقع، تجد الدول النفطية نفسها مضطرة إلى البحث عن مصادر دخل بديلة ومستدامة خارج إطار النفط والغاز، الأمر الذي يتطلب استثمارات كبيرة ومتواصلة لضمان توافر السيولة وتحقيق تنمية اقتصادية متوازنة.
ووفق هذه التحديات، ما الموارد والبدائل الممكنة لضمان هذه السيولة؟
من الأهمية بمكان أن تبحث دولة مثل الكويت عن بدائل اقتصادية حقيقية، سواءً عبر تنمية استثماراتها الخارجية، أو إيجاد قطاعات اقتصادية واعدة داخل البلاد. فهل يمكن الكويت مثلاً الاعتماد على عوائد الاستثمارات الخارجية لتغطية إجمالي المصروفات السنوية التي تبلغ نحو 24.5 مليار دينار كويتي للعام المالي الحالي؟ وما مدى إمكانية توجيه تلك الاستثمارات نحو امتلاك حصص مؤثرة (تفوق 25 %) في شركات عالمية، بما يتيح المشاركة الفاعلة في إدارتها واتخاذ القرار فيها؟
كما يُطرح خيار الدخول في مشاريع مشتركة داخل الكويت، على غرار تجربة «إيكويت» للبتروكيماويات، التي مثلت نموذجاً ناجحاً للتعاون بين القطاعين العام والخاص والشراكة مع المستثمر الأجنبي.
ومن بين الخيارات أيضاً خصخصة بعض الشركات والقطاعات الحكومية، وفتح الباب أمام الشركاء الأجانب للاستفادة من خبراتهم الإدارية والتقنية العالمية، وفي الوقت ذاته تدريب وتطوير الكفاءات الوطنية، بما يعزز الاقتصاد الوطني ويمنح الشباب الكويتي فرصاً أكبر للتطور والتمكين.
لقد سبق للكويت أن حققت نجاحاً بارزاً في هذا الإطار، سواء من خلال تأسيس شركات مثل البترول الوطنية، واليوم، ومع التقدم التكنولوجي الكبير، قد يكون من الضروري إعادة التفكير في فتح شراكات جديدة مع خبرات أجنبية على أراضينا وضمن قوانيننا، بما يعزز الكفاءة ويواكب التطورات العالمية.
لا شك أن الظروف الاقتصادية العالمية غير مستقرة حالياً، في ظل النزاع التجاري بين القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين، لكن هذه المرحلة لن تدوم، وستعود الأمور إلى الاستقرار. وعلى الكويت أن تستغل الفرصة لجذب الاستثمارات الخارجية إلى الداخل، بما يعود عليها بأكبر قدر من الفوائد الاقتصادية والمالية.
والأهم من كل ذلك هو الاستثمار في الإنسان الكويتي، وتطوير مهاراته وكفاءاته من خلال الاحتكاك بالخبرات العالمية، وهو ما يجعل من تجربة «إيكويت» نموذجاً يحتذى به في ضمان تدفقات مالية مستمرة وتحقيق أرباح سنوية للدولة والمواطن في آن واحد.
لقد آن الأوان لأن نستعيد روح المبادرة، ونفتح الباب من جديد أمام الشركات العالمية للاستثمار في الكويت، ولهذا مشاركة مع شركة «داو» هو مثال يجب أن يتكرر حيث المصنع مقام في الكويت، والتجربة المطلوبة حول المشاركة واستخدام خبراتها وأموالها. وأيضاً، هل بالاستطاعة تطبيق أمر الشراكة ذاته على مصافي النفط في الكويت بحكم ما لدى الكويتيين من الخبرات السابقة في مصفاة الشعيبة والأحمدي التي كانت مملوكة لشركة جلف ومصفاة ميناء عبدالله مع شركة امينواويل الأميركية، ثم تم تأميم جميع هذه الشركات والمصافي عام 1975، على أسس مدروسة وشراكات إستراتيجية تعزز من مكانة الكويت الاقتصادية وتضمن تنميتها المستدامة.
كاتب ومحلل نفطي مستقل