في عمق العلاقات الإنسانية والتكوين المجتمعي، تبرز المرأة كركيزة أولى في بناء الإنسان قبل أن يُبنى العالم. فالمرأة لا تُنجب الرجل جسداً فحسب، بل تزرع فيه القيم، وتغرس المبادئ، وتُهذّب الوجدان، وتصقل الشخصية. ومن هذا المنطلق، فإن المرأة لا تربي طفلاً فقط، بل تُنشئ قائداً، ومفكراً، وصانع قرار. هي من تصنع الرجل.
حين نقول إن «النساء يصنعن الرجال»، فنحن لا نعني ذلك بمعناه البيولوجي، بل بمعناه الحضاري والثقافي والتربوي. المرأة في موقعها كأم، كمعلمة، كزوجة، وكملهمة، تؤثر في البنية النفسية والعقلية للرجل، وتساهم في صياغة وعيه وتوجيه طاقاته. وإذا نشأ الرجل على يد امرأة قوية، واعية، رحيمة، فغالباً ما يحمل هذه الصفات معه إلى العالم.
أما الرجال، فإنهم حين ينطلقون إلى الحياة، بما حُملوا به من قوة أو ضعف، من عدالة أو ظلم، من ضمير حي أو ضمير غافل، فإنهم يساهمون في تشكيل الواقع، وصناعة المستقبل. هم يبنون الطرق والمباني، ويقودون المؤسسات، ويخوضون الحروب، ويصنعون القرارات. لذا، فإن جودة الحياة التي يصنعونها لا تنفصل أبداً عن جودة المرأة التي صنعتهم في البداية.
وبهذا، نرى أن المرأة لا تصنع رجلاً فقط، بل تصنع ما سيصنعه هذا الرجل لاحقاً. فكل إنجاز حضاري، وكل نهوض مجتمعي، وكل عدالة تتحقق، خلفها امرأة أسهمت بشكل أو بآخر في تأسيس وعي من قاد هذه النهضة.
إنها دائرة تبدأ بالمرأة ولا تنتهي، وفي كل مرحلة، لها بصمتها الخفية والظاهرة. ولذلك، فإن تمكين المرأة، وحمايتها، وتعليمها، ليس ترفاً ولا مطلباً فردياً، بل هو ضرورة حضارية لضمان أن تستمر عجلة الحياة في الدوران نحو التقدم لا التراجع.
المرأة لا تصنع رجلاً فحسب، بل تصنع أمة، فهي أساس ركائز المجتمع بكل جوانبه؛ فإن تأملت في النهضة السياسية، أو في الإنجازات الاقتصادية، أو في التقدم العلمي، وجدت في عمقها امرأة ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر. هي الأصل، فإن صلحت، صلح المجتمع بأكمله، وإن ضعفت، تخلخلت أعمدة الأمة. لذا، الاستثمار في المرأة هو استثمار في استقرار الأمم ونهضتها، لأنها ببساطة... صانعة الحياة...