الكويت... مسرح لا يشبه أحداً

صالح الدويخ
صالح الدويخ
تصغير
تكبير

في زمن كانت فيه المسارح الخليجية تُشيّد على استحياء، كان المسرح الكويتي يصدح بالأفكار، يناقش أمور المجتمع والإنسان، من دون أقنعة، وكان تمريناً متواصلاً على الحرية، ولهذا لم يكن غريباً أن تجد الكويتيين يهرولون إلى العروض كما لو أنها مظاهرة في حب الوطن.

أفكار من كل صوب، مدارس فنية تتناطح لا لتلغي بعضها، بل لتعلو معاً، منافسة كريمة ومُرّة، تشبه ساحة نزال فكري، يخرج منها الجمهور منتصراً. وللأمانة، لم تكن هناك جهة واحدة تحتكر الوهج، بل كل فرقة كانت مشروعاً مستقلاً بذاته، يزور بعضهم بعضاً، لا ليراقب، بل ليصفّق. لذلك، الكويتي لا يخشى أن ينجح غيره، لأنه يعلم أن النجاح الجماعي يبني هوية لا تُشترى.

الطفرة الحقيقية برأيي أن تجعل الجماهير تضحك من قلوبها، وهي تمضغ أسئلة مرّة من دون أن تدرك مرارتها كاملة، لذا تطور المضامين جاء لأن الكاتب الكويتي لا يكتب ليبهر، بل ليشرح شيئاً في داخله، لأن الممثل الكويتي لا يؤدي، بل يعيش الشخصية، لأن المخرج الكويتي لا يرسم مسرحاً جميلاً فقط، بل يفتح نافذة من الخيال على واقع مسكوت عنه.

الغريب والعظيم في آن، أن الجمهور الكويتي نفسه، هو شريك هذا المجد، جمهورٌ لا يُرهب الفنان، بل يدفعه للعمق. الفنان العربي حين يقف أمام جمهور الكويت، يشعر بالخوف، ليس خوفاً من السقوط، بل من التورط في عمق لا يجيده، لأن الكويتيين يتفرجون ويقرأون العرض، ولهذا لم يكن غريباً أن تصاب فرق عربية بالدهشة حين تزور الكويت، لأن الجمهور هنا ليس مستهلكاً، بل ناقداً، محللاً، عاشقاً وأحياناً مخيفاً لمن لا يملك شيئاً ليقدمه.

ما يحدث في الكويت ليس مجرد نشاط مسرحي، إنه ظاهرة ثقافية، نفسية، سياسية، وجمالية. وما زلنا نكتشف، حتى اليوم، أن أعظم ما في هذه الظاهرة، أنها لم تحاول أن تُشبه أحداً، بل جعلت الآخرين يحاولون أن يُشبهوها.

وهنا لا بد أن نطرح سؤالاً مستحقاً، لا من باب العتب، بل من باب الوفاء لهذا الإرث، ألا يستحق هذا النشاط المتفرد، بكل زخمه وأفكاره وروّاده، أن يُكافأ بمسارح جديدة، تليق بحجمه وتستوعب هذا الفيضان من الأعمال؟... أما آن للأرض أن تتسع للخيال؟... أما آن للخشبات أن تتكاثر كما تتكاثر النصوص والوجوه والرسائل؟. لقد أصبح المسرح الكويتي أكبر من حواضنه، أضيق من قاعاته، وأكثر اتساعاً من جدرانه، لا يليق بهذه التجربة أن تُحاصر في قوالب قديمة، ولا أن تُخنق في مساحات لا تحتمل زخمها. نحن أمام لحظة مفصلية، إما أن نمنحها البنية التي تستحق، أو نتركها تتآكل تحت وطأة نجاحها.

نهاية المطاف: الاهتمام بالفن... بات مستحقاً.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي