رؤية ورأي

درسان من انفجار الميناء الإيراني

تصغير
تكبير

لجنة التحقيق في الانفجار الذي ضرب ميناء «الشهيد رجائي»، بمدينة بندر عباس الإيرانية، أعلنت قبل ثلاثة أيّام أن نتائج تحقيقاتها الأوّلية أثبتت عدم الالتزام بمبادئ وقواعد السلامة والدفاع المدني في منطقة الانفجار. ولكن يرى مراقبون أن هذه النتيجة المهمّة نُشرت عبر تصريح منقوص، لم يوضّح نوع ودرجة العلاقة بين هذا الإهمال وبين وقوع الانفجار.

في الواقع، يعتقد مراقبون أن البيان في مجمله صدر منقوصاً، لأنه خلى من المعلومات المنبثقة من التحقيق، وبني بالكامل على معلومات عامّة معروفة لدى الإيرانيين قبل تشكيل اللجنة. رغم أن البيان ذاته يدعوهم إلى متابعة الأخبار المتعلّقة بأسباب الحادث من خلال اللجنة فقط.

فإلى جانب معلومة عدم اتباع إجراءات السلامة والدفاع المدني، وهي الحالة الغالبة في مجتمعات الشرق الأوسط، تضمّن البيان معلومتين معروفتين أخريين. الأولى هي أن الأجهزة الأمنية والقضائية تسعى بشكل جدّي لمعرفة مرتكبي حادثة الانفجار، وسيتم التعامل مع جميع المسؤولين عن الحادثة دون تهاون. والمعلومة الثانية هي أن تحديد الأسباب وإصدار التقرير النهائي للجنة يتطلبان دراسة كاملة وشاملة، تتضمّن عمليات فنية ومختبرية.

من بين المعلومات المغيبة عن البيان، محتوى الحاوية – وفق البيان الجمركي – التي انفجرت وسبّبت الدمار الكبير، واسم الشركة التي تُشغّل وتُدير العمليات في منطقة الانفجار، واسم الجهة المالكة للشركة. حيث إن العمليات في الميناء – الكبير بطاقته الاستيعابية التي تقارب 70 مليون طن من البضائع سنوياً – تُنفّذ من قبل أكثر من شركة.

في الجهة المقابلة، يُبرّر المراقبون هذا التحفّظ والغموض في البيان، بكونه صادراً في مرحلة مصيرية بالنسبة لإيران، مرحلة التفاوض «المؤمّل بالتوافق» مع أميركا بشأن الملف النووي الإيراني ورفع العقوبات عن إيران، وبالتزامن مع مساعي صهيونية مكثّفة لإفشال المفاوضات، من الداخل والخارج الإيرانيين.

فعلى سبيل المثال، نجد أن العديد من وكالات الأنباء الدولية والصحف العالمية المرموقة تتناقل أخباراً بشأن حادثة الانفجار، مُحرجة بالنسبة للنظام الحاكم في إيران، ولكنها مبنية بالكامل على تصريحات مسؤولين إيرانيين «رفضوا نشر أسمائهم» وعلى أخبار نشرتها وكالات إخبارية إيرانية شبه رسمية، لكنها «غير متوافرة» في صفحتها على شبكة الإنترنت، بدعوى أنها حذفت.

ما يهمني في البيان الإيراني أمران كويتيّان. الأوّل هو أنّ نتّعظ من الحادثة المأسوية فننمّي التزامنا بمبادئ وقواعد السلامة والدفاع المدني، والثاني هو أن نعي أن المصالح العليا للبلاد قد تتطلب «أحياناً ومرحلياً» تضييق حدود الشفافية الحكومية.

بالنسبة للأمر الأوّل، إلى جانب تقرير لجنة التحقيق، تصريحات عدد من المسؤولين الإيرانيين تشير إلى أن هذا الانفجار المأسوي، الذي خلّف 70 قتيلاً وما يزيد على الألف مصاب، منهم ما يزيد على المئة مازالوا يتلقّون العلاج في المستشفيات، فضلاً عن الخسائر المالية والاقتصادية الجسيمة، التي مازالت تتراكم، كان يمكن تفاديه أو تقليل احتمالات حدوثه لو كان مستوى الالتزام بقواعد وإجراءات السلامة والدفاع المدني بالدرجة المطلوبة، وفق المعايير المقياسية.

وبالنسبة للأمر الثاني، فكما أن القاعدة العامة هي أن تطبيق مبادئ الشفافية والمساءلة مطلب أساس لتعزيز الدمقراطية والحوكمة الرشيدة، أحياناً حماية المعلومات من النشر واجب مفصلي لصون الأمن الوطني، وذلك وفق المبادئ والتشريعات الدولية، المتّسقة مع المادة (12) من قانون رقم (12) لسنة 2020، بشأن حق الاطلاع على المعلومات، التي تحظر الكشف عن «المعلومات الاستخباراتية التي تتعلّق بإحباط الأعمال العدوانية والجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي والخارجي».

في الختام، أدعو اللجان المكلّفة بإصلاح مناهج وزارة التربية إلى غرس مبادئ وممارسات السلامة والدفاع المدني ومبادئ وقيم الدمقراطية والحوكمة الرشيدة... «اللهم أرنا الحقّ حقّا وارزقنا اتّباعه».

[email protected]

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي