ثمة خطر حقيقي في أن تدفع أي ضربة طهران نحو القنبلة بدلاً من إبعادها عنها
هل تستطيع قاذفات «بي - 2» الأميركية القضاء على البرنامج النووي الإيراني؟
نشرت الولايات المتحدة قاذفات من طراز «بي - 2» على مقربة من إيران، في إشارة قوية للجمهورية الإسلامية بما قد يحدث لبرنامجها النووي إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق يحد من نشاطه.
والقاذفات الإستراتيجية، هي الطائرات الوحيدة القادرة على إسقاط أقوى القنابل الخارقة للتحصينات.
لكن خبراء عسكريين ونوويين يقولون إنه حتى مع وجود مثل هذه القوة النارية الهائلة، فإن أي عمل عسكري أميركي - إسرائيلي لن يؤدي على الأرجح إلا لتعطيل موقت لبرنامج يخشى الغرب أن يكون هدفه بالفعل إنتاج قنابل نووية ذات يوم، وهو ما تنفيه طهران.
والأسوأ من ذلك، أن يدفع أي هجوم إيران إلى طرد مفتشي الأمم المتحدة النوويين، والتحرك لجعل البرنامج المدفون جزئياً تحت الأرض، مدفوناً بالكامل، والإسراع نحو التحول إلى دولة مسلحة نووياً، ما يضمن ويُعجل في الوقت نفسه بتلك النتيجة المخيفة.
وقال جاستن برونك، وهو باحث بارز في مجال القوة الجوية والتكنولوجيا في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو مركز بحثي دفاعي بريطاني «في نهاية المطاف، وباستثناء تغيير النظام أو الاحتلال، من الصعب جداً تصور كيف يمكن لضربات عسكرية أن تدمر مسار إيران نحو امتلاك سلاح نووي».
وأضاف «سيكون الأمر في جوهره محاولة لإعادة فرض قدر من الردع العسكري، وإلحاق خسائر والعودة بزمن الاختراق إلى ما كنا عليه قبل بضع سنوات».
ويشير زمن الاختراق إلى المدة التي قد يستغرقها إنتاج مواد انشطارية بكميات كافية لإنتاج قنبلة نووية، ويتراوح هذا الزمن حالياً بين أيام أو أسابيع بالنسبة لإيران. لكن إنتاج قنبلة بالفعل، إذا قررت إيران ذلك، سيستغرق وقتا أطول.
وفرض الاتفاق النووي التاريخي لعام 2015 بين إيران والقوى الكبرى قيوداً صارمة على أنشطة إيران النووية ما أطال زمن الاختراق إلى عام على الأقل. لكن الاتفاق انهار بعد انسحاب الولايات المتحدة منه في الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب عام 2018، وهو ما جعل طهران تتخلى كثيراً عن قيوده.
والآن يريد ترامب التفاوض على قيود نووية جديدة في محادثات بدأت في الأيام القليلة الماضية. وأكد قبل أسبوعين «إذا لم يتوصلوا إلى اتفاق، فسيكون هناك قصف».
وأطلقت إسرائيل تهديدات مماثلة. وقال وزير الدفاع يسرائيل كاتس بعد توليه منصبه في نوفمبر الماضي، إن «إيران معرضة أكثر من أي وقت مضى لقصف منشآتها النووية. لدينا الفرصة لتحقيق هدفنا الأهم وهو إنهاء التهديد الوجودي لدولة إسرائيل ومحوه».
عملية كبرى محفوفة بالمخاطر
يتوزع برنامج إيران النووي على العديد من المواقع، ومن المرجح أن يستهدف أي هجوم معظمها أو جميعها. وحتى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي الهيئة الرقابية النووية التابعة للأمم المتحدة، لا تعرف أين تحتفظ إيران ببعض المعدات الحيوية مثل قطع غيار أجهزة الطرد المركزي التي تُخصب اليورانيوم.
ويعتبر خبراء عسكريون أن إسرائيل قادرة على تدمير معظم هذه المواقع بنفسها، لكنها ستكون عملية محفوفة بالمخاطر تشمل هجمات متكررة، وستضطر إلى التعامل مع أنظمة مضادة للطائرات مقدمة من روسيا. وسبق أن نجحت إسرائيل في القيام بذلك عندما نفذت ضربات محدودة على إيران العام الماضي.
ويُعد تخصيب اليورانيوم جوهر البرنامج النووي الإيراني، وأكبر موقعين للتخصيب لديها هما منشأة تخصيب الوقود في ناتانز على عمق ثلاثة طوابق تقريباً تحت الأرض، لحمايتها على ما يبدو من القصف، ومنشأة فوردو، في عمق أحد الجبال.
ولدى الولايات المتحدة مستوى جاهزية أعلى بكثير لضرب هذه الأهداف الصعبة باستخدام أقوى قنبلة خارقة للتحصينات لديها، وهي القنبلة الضخمة التي تزن 30 ألف رطل (14 ألف كيلوغرام)، والتي لا تستطيع إطلاقها حالياً إلا قاذفات «بي -2» التي تم نقلها أخيراً إلى جزيرة دييغو غارسيا في المحيط الهندي، والتي لا تمتلكها إسرائيل.
وقال الجنرال المتقاعد في سلاح الجو الأميركي تشارلز والد، الذي يعمل حالياً في المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي، إن «إسرائيل لا تملك ما يكفي من القنابل عيار 5000 رطل» لتدمير فوردو وناتانز. ويدعم هذا المعهد جهود تعزيز علاقات دفاعية وثيقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
وكان الجنرال المتقاعد يشير إلى أكبر قنبلة خارقة للتحصينات في الترسانة الإسرائيلية. وأضاف أن مشاركة الولايات المتحدة ستجعل الهجوم أسرع وتزيد من احتمالات نجاحه لكنه توقع أن يستغرق الأمر أياماً.
ماذا سيحدث في اليوم التالي؟
قال إريك بروير من مبادرة التهديد النووي، وهو محلل استخبارات أميركي سابق «ربما تسبب ضربة أميركية ضرراً أكبر من ضربة إسرائيلية، ولكن في كلتا الحالتين، الأمر يتعلق بكسب الوقت، وهناك خطر حقيقي في أن تدفع (أي ضربة) إيران نحو القنبلة بدلاً من إبعادها عنها».
وأضاف «يمكن للضربة أن تعرقل البرنامج وتؤخره، لكنها لا تستطيع تدميره».
ومن الممكن تدمير المواقع النووية، لكن خبرة طهران المتقدمة في تخصيب اليورانيوم لا يمكن تدميرها. وأكد محللون ومسؤولون أن منعها من إعادة بناء المواقع سيكون مستمراً وصعباً للغاية.
وقالت كيلسي دافنبورت، من رابطة الحد من انتشار الأسلحة، «ماذا سيحدث في اليوم التالي؟ سترد إيران على الهجمات على برنامجها النووي بتحصين منشآتها وتوسيع برنامجها».
وبعد إلغاء رقابة إضافية من الوكالة الذرية أقرت بموجب اتفاق 2015، يرى كثير من المحللين خطراً يتمثل في أن إيران، في حال تعرضها لهجوم، ستطرد مفتشي الوكالة الذين يعملون بمثابة عيون للعالم، في مواقع مثل ناتانز وفوردو.
وقال علي شمخاني، المسؤول الأمني الإيراني البارز والمستشار الحالي للمرشد الأعلى السيد علي خامنئي، على موقع «أكس» الأسبوع الماضي «استمرار التهديدات الخارجية ووجود إيران في حالة ترقب هجوم عسكري قد يؤدي إلى إجراءات رادعة، بما في ذلك طرد مفتشي الوكالة الذرية ووقف التعاون».
وتلك الخطوة لم تتخذها دولة غير كوريا الشمالية التي أجرت بعد ذلك تجربتها النووية الأولى.
وذكر جيمس أكتون، من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي «إذا قصفتم إيران فمن شبه المؤكد، في اعتقادي، أن إيران ستطرد المفتشين الدوليين وتندفع نحو إنتاج قنبلة».