من السابق لأوانه الحديث عن إفرازات مجلس الأمة القادم بعد استكمال المدة (4 سنوات) قابلة للتمديد، وذلك لمعطيات عدة من أهمها القاعدة الانتخابية العريضة وإعادة تركيبها من جديد وخروج آلاف ودخول غيرهم. وثانياً الاختيار الصائب والوعي لمعنى الصالح العام وليس الخاص. وثالثاً لن تكون الانتخابات والبرامج الانتخابية وإفرازات النتائج كسابق عهدها جذرياً، وذلك لأننا أمام مرحلة جديدة تخطينا بحمد الله بكل نجاح وتميز أخطاء المرحلة السابقة وعوامل النجاح في قادم الأيام كثيرة أكثر من عوامل الإخفاق، لكن الذي يهمنا في الدرجة الأولى أداء العنصر الوطني! وهو ما سيتم التركيز عليه في هذا المقال.
لقد كان العربي الجاهلي القديم يؤمن بأنه هو الإنسان صاحب اللسان الواضح المُبين! ومن عداه أعاجم وعلوج لا يفقهون ما يقال ولا يدينون بدين المروءة والاحساب والأنساب!
وكان الإنسان اليوناني القديم يؤمن بأنه وحده الإنسان المهذب والفيلسوف، ومن عداه برابرة لا يدركون حقيقة فلسفته، ولا يفقهون معنى لغة الحضارة!
وكذلك كان أبناء فارس والهنادك والصين... وبقيت هذه الشنشنة بين أمم الحضارة المدنية في العصر الحديث... فاغتر بها اليهود والأوروبيون وتفاخروا على أبناء القارات الأخرى ولكنهم لبثوا فيما بينهم يُعير كل شعب منهم جاره بالعادات والأخلاق والمآثر! كما عند الفرنسيين والألمان والإنكليز وإن تقاربوا في السلالة واللغة والعقيدة!
ولم تجمعهم الكنيسة بقدر ما جمعتهم الجينات الشقراء... حيث جعلوا هذا اللون الأبيض رسالة يبشر بها الأوروبيون من عداهم من الملونين وسَمُّو تلك الرسالة (عبء الرجل الأبيض) الذي حمّله الله إياها لهداية خلقه الذين لم يبلغوا مبلغهم في العلم والارتقاء! وبقيت هذه المفاخر من قبيل الموروث الشعبي والعادات الاجتماعية يتناقلها جيلٌ عن جيل... لا يرجع فيها إلى قياس منطقي سليم ولا إلى موازنة علمية ثابتة!
فكانت أشبه ما تكون بمفاخرات الصبيان بعضهم لبعض بآبائهم وأمهاتهم وإخوانهم وجيرانهم وبيوتهم التي يسكنون فيها ومدنهم التي ينشأون فيها... وهذه مفاخرة الأجناس من هذا القبيل الذي يُطلق عليه (عِبّية الجاهلية)، بمعنى أن كل جنس هو أفضل الأجناس لغير سبب... وهذا ليس من دواعي الفخر؛ لأن الإنسان مسيّر فيها وليس مخيراً.
ثم اتسع نطاق البحث العلمي في القرن الثامن عشر فأُدخلت الفوارق بين الشعوب في موضوعات كثيرة وجُعل لها أقسامٌ علمية في الجامعات العريقة يُسمى عِلم (الأجناس البشرية). ولما كان القرن التاسع عشر قرن التوسّع في الاستعمار وتسخير العلم لخدمة المطامع الاستعمارية والمنازعات السياسية... وقام من أوروبا من يبشر بعلو العنصر الآري على بقية الأجناس ويرجع إليه الفضل في كل فتح من فتوح الحضارة والعلم!
ولا شك أن حروب نابليون كانت لها اليد الطولى في تمكّن هذه النزعة؛ لأنها كانت سلاحها الذي تحارب به، العاري عن افتخارها القولي في الحروب التي خاضتها مع الملونين أو بين أمم الشمال وأمم الجنوب... وكانت هي السبب في تخلف الجرمان عن جيرانهم لجهة هذه العنصرية!
وتطوّح الغلو بدعاه هذه العنصرية حتى بلغوا بها مبلغاً لم يسبقهم إليه سابق في عالم الحقيقة ولا حتى في عالم الخيال... فجعلوا أجناس البشر فصائل تتعاقب راسياً طبقة تحت طبقة حتى تلتقي مع القردة وجعلوا أنفسهم نخبة مختاره في الطبقة العليا!
وأختم بأن الإسلام هو دين الدولة، الذي يقرر مبدأ العدالة بقوله تعالى: «إن اكرمكم عند الله اتقاكم» (سورة الحجرات: 13)، فليس الجنس ولا الأصل ولا اللغة ولا حتى أشرف البقاع، هي التي تُشرّف صاحبها فقط... فالعمل والصدق في الأعمال الجليلة -التي هي فعلاً جليلة- هما الأساس وليس التزوير وازدواجية المعايير، وإلّا فأبو لهب وأبو جهل عناصر وطنية، ومن أشرف الناس نسباً، ولكنهما فراعنة هذه الأمة! فماذا نفعل بالعنصر الوطني والحال هذه؟! هل نجاملهم على حساب الحق والحقيقة؟!
فلم ولن ولا نبني الكويت بنهج كهذا ... والناس سواسية أمام القانون الإلهي؟!