ليس الكويت وحدها تعاني من الفساد في هذا العالم، بل إن هناك سلسلة طويلة من الدول التي تعاني من الفساد قد يفوق ما لدينا كثيراً. كما أن هناك دولاً متطورة لديها حكومات جادة وبرلمان قوي وصحافة تمارس حريتها في التطرق لشتى أنواع الفساد، إضافة إلى جمعيات النفع العام وأحزاب المعارضة التي تتربص بالبحث عن أي خيط يؤدي إلى فساد ما في مؤسسة ما لتسلط الضوء عليها في أكثر من طريقة لتعرية الحكومة أو المسؤولين.
ونجد الفساد في أكثر من دولة... وبنسب متفاوتة، وهناك ما تم الكشف عنه وهناك ما زال متوارياً عن العالم.
وفي الكويت علينا ألا نشعر بالإحباط، بيد أننا ما زلنا في البداية والطريق طويلة أطول من الدائري السابع والملفات مزدحمة أكثر من ازدحامات الطرق وقت الذروة صباحاً وظهراً.
نعم، علينا نشر ثقافة التفاؤل ونبذ التحلطم ونحن نرى ونشعر بجدية الحكومة التي تقاتل في أكثر من جبهة بدءاً بمكافحة الفساد مروراً بمشاريع التنمية وانتهاء بحفظ أمن الناس.
إنّ ملف الجنسية الذي بات حديث رجل الشارع الكويتي إنما هو ملف متشعب يقع في إطار السيادة، وبالتالي هناك تبعات على الكثير من الأسر الكويتية خاصة اللائي فقدن الجنسية الكويتية من فئة المادة الثامنة، كما أن معالي النائب الأول وزير الداخلية تحدث في أكثر من لقاء تلفزيوني ولم يترك شاردة ولا واردة إلّا وتطرق إليها، موضحاً وجهة نظر الحكومة، كما أن الأمور القانونية المترتبة على عملية سحب الجنسية لم تؤثر البتة على توفير المعيشة الكريمة من حيث الراتب للموظفة أو المتقاعدة ومزايا أخرى والأمر يختلف بالنسبة للمزدوجين أو للمزورين، حيث إن هناك إجراءات قانونية تختلف وفق القانون الكويتي.
إن مسألة سحب الجنسية ليست مسألة مرتبطة بدولة الكويت فقط، فهناك أكثر من دولة عربية وأجنبية لجأت إليها ولأسباب مختلفة، خصوصاً أنه تمت مراجعة كل ملف على حدة من خلال لجنة تنشد الدقة في المعلومات، كما أن هناك مجالاً لتقديم التظلم، الأمر الذي يعكس آلية تعامل الحكومة مع هذا الملف الحساس الذي بات يؤرق أروقة الحكومة والمجتمع الكويتي.
والحكومة الكويتية لديها أولويات كثيرة في مشاريع التنمية وحفظ حقوق كل من يعيش عليها من مواطنين وضيوفها، خصوصاً أن التعليم هو أساس تنمية وتطور أي مجتمع وكذلك محاربة الفساد الذي نشأ وترعرع مع البشرية، وهناك قضايا أخرى مثل المنظومة الصحية والمتقاعدين والقرض الحسن وقضية «البدون» والبنية التحتية، والبحث عن حلول لتوفير أراض للسكن حيث لمسنا هبوط أسعار المنازل أخيراً وما زلنا ننتظر الاهتمام بقضايا أخرى مثل الثقافة الكويتية بمفهومها الشامل.
ولا ننسى القفزة النوعية بالنسبة لتطويع التقنية في إدارة الكثير من المعاملات التي تخص المواطنين وضيوف الكويت الذين يشاركوننا العيش في هذا البلد الطيب، مع توفير التواصل مع المتقاعدين الذين كانوا يتمتعون بخدمة «عافية»، حيث إن التواصل معهم عبر الهاتف لتحديد الموعد مع الطبيب في التخصصات كافة دون الانتظار في طوابير طويلة.
ولا يمكن تجاهل التحسن النسبي في سلامة الطرق السريعة التي كانت تعاني من الحفر والتشققات وما زال العمل مستمراً وتلك نقطة تستحق الإشادة بالقائمين عليها.
وإذا تتبعنا الولايات المتحدة الأميركية وهي أكبر دولة في العالم تعمل على الإطاحة بسلسلة طويلة من ملفات الفساد والأفلام الأميركية شاهدة حين تم التطرق لقصص فساد حقيقية في المجتمع الأميركي.
وفي فرنسا نجد أنه تم منع مارين لوبين، وهي نائب في الجمعية الوطنية الفرنسية من الترشح، نتيجة اتهامها باستغلال منصبها في برلمان الاتحاد الأوروبي والاستيلاء على الأموال للإنفاق على حزبها اليميني، ولوبين، الأكثر عداوة وكرهاً للمهاجرين بشكل عام وللمسلمين بشكل خاص، كونها تسير وراء ظاهرة الإسلاموفوبيا المنتشرة في الغرب.
ويأتي رئيس وزراء الكيان الصهيوني المتهم بسلسلة قضايا فساد، وما زال يواجه القضاء هو وبعض أعضاء حزبه ومعه زوجته، ولولا حرب غزة لفقد منصبه وتعرض للسجن، الأمر الذي يفسر سر إصراره على استمرار الحرب لجيشه في أكثر من جبهة، بل إنه يشجع على فتح جبهات جديدة طالما أن ذلك في مصلحته لأنه يدرك أنه يتعايش مع أحداث الحلقة الأخيرة من مسيرته السياسية ولن تشفع له الحروب التي خاضها ولا الكتب التي قام بتأليفها.
وفي ألمانيا، كانت هناك تجربة فريدة في محاربة الفساد بدأت بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة لإعادة البناء والعمل على تطور المجتمع انطلاقاً من العمل ومكافحة السرقات بدءاً بالشفافية والمساءلة مروراً بالقضاء المستقل وانتهاء بحماية المبلغين عن المخالفات مع إيجاد بيئة للقوانين الصارمة لمكافحة الرشوة والتنفيذ الفعال.
ولعمري إننا في أمس الحاجة إلى تلك الأمور ولا يمكن أن الحكومة الحالية قطعت شوطاً كبيراً في ذلك الأمر، حيث تمت إحالة الكثير من الملفات إلى القضاء الذي أصدر أحكاماً في قضايا عدة. وما زلنا ننتظر المزيد وتلك تعكس أوامر ورؤية «النطق السامي» لسمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله ورعاه، وبمعية سمو ولي العهد الأمين الشيخ صباح الخالد الصباح، حفظه الله.
إنّ الفساد عملة عالمية باتت منتشرة في القارات كافة على كوكب الأرض، لكن التصدي لهذا الفساد لا يقل قوة إنما يحتاج إلى وقت وصبر وقوة وإصرار على تطبيق القانون مهما كانت مكانة من قام به.
إن فلسفة مكافحة الفساد إنما هي مرتبطة بعملية الإصلاح المستمرة إلى ما لا نهاية، وتلك هي فكرة الصراع الأزلي بين الخير والشر بصور مختلفة وسيكتب التاريخ لا محالة من كان سبباً في التأصيل للفساد ومن عمل جاهداً على محاربته بشكل كبير.
همسة:
الفساد شيء سيئ وتركه يتفشى يعتبر أكثر سوءاً.