لا تبدو الدراما العربية المتزاحمة خلال شهر رمضان المبارك المنقضي بعيدة عن أوضاعنا العربية الأخرى، حيث إن الأموال التي تم إنفاقها على إنتاج الدراما كانت كفيلة بتوفير الدعم لمشاريع التنمية بالكثير من البلدان العربية التي كانت وما زالت تعاني هي وأهلها من نقص في الماء والغذاء والدواء وبقية الخدمات الأكثر أهمية من مشاهدة مسلسل لا يرقى ليكون قريباً من قلوب وعقول رجل الشارع العربي.
ولا يعني ذلك أنه لا توجد مسلسلات كانت تستحق المشاهدة لكن مستواها دون مستوى الطموح، بينما السواد الأعظم هي فقاعات درامية انتهت مع انتهاء شهر رمضان المبارك لدرجة أنها لم تلفت انتباه النقاد والفنانين الملتزمين بالوقت ذاته.
وعندما يأتي ذكر المسلسلات أرى حنيناً عميقاً نحو الأعمال الدرامية القديمة سواءً في الكويت ومنطقة الخليج العربي أو على المستوى العربي، مثل «درب الزلق» كويتياً و«أحلى الأيام» و«طاش ما طاش»، خليجياً و«ليالي الحلمية» و«الشهد والدموع» عربياً.
ومن أبرز المسلسلات هذا العام برز مسلسل سوري يحمل اسم «البطل» بطولة بسام كوسا، وإخراج الليث حجو، الذي تناول شخصيات عدة ضمتها القرية في ظروف استثنائية يوثق جزءاً من تاريخ سوريا الحديث.
وبعد ذلك برز الفنان سامح حسين، وهو يقدم برنامج «قطايف رمضان» وهو وإن كان عملاً على «اليوتيوب» إلا أنه استطاع جذب العديد من الجمهور والنقاد لأنه قدم مادة قيمة بمواصفات راقية مكنتها من دخول قلوب الجماهير المصرية والعربية دون استئذان، فاستوطن مكانة مرموقة عجز الكثير من الفنانين الوصول إلى حدودها.
ويأتي الإعلامي أحمد الشقيري، وهو يقدم برنامجاً رائعاً يحمل اسم «سين» حيث يقدم محتوى مختلفاً كثيراً عن سلسلة طويلة من البرامج غير المفيدة، كما أنها تقدم معلومات نادرة جداً في بلادنا العربية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، إضافة الى بقية الدول العربية والبلاد الغربية.
ولا تبدو الدراما الكويتية بوضع مرض للكثير من الناس ومنهم صانعو تلك الدراما فما شاهدناه من أعمال فنية إنما هي أعمال دون مستوى الطموح و«تفشل» من حيث المضمون والأفكار وكذلك هي الأنماط التقليدية في القضايا وفي الرؤية الإخراجية.
وكم كنت حزيناً وأنا أرى بعض نجوم الكويت قد اختفوا لأنهم لم يجدوا ما يناسبهم ويناسب تاريخهم الفني، فأثروا الغياب بينما وجد البعض فرصة للمشاركة بنجوميته رغم أن ما قدموه يسيء إلى تاريخهم الإبداعي كما أن بعض البرامج استضاف البعض منهم اعتقاداً منهم بأنه «ماكياج إعلامي» يعمل على إخفاء تشوهات فنية ما، بينما شاهدها المشاهد وانطبعت في خياله وقناعاته بأن تلك الدراما مأسوف عليها.
ولعل المشكلة تكمن في ندرة النص الدرامي المميز وإلى نوعية ومدى ثقافة القائمين على شركات الإنتاج وكذلك المخرجون، بل إن بعض القنوات يسعى إلى التسطيح وتقديم المتعة والتسلية والتفاهة التي بتنا نعاني منها بصورة كبيرة والاستثناءات قليلة.
إن الحصول على نص درامي محفز للإبداع الدرامي ليس صعباً لكنه بحاجة الى جهد وتحضير ورؤية ودعم مادي، كون تاريخنا الإسلامي والعربي يزخر بالكثير من القصص والأحداث التي يمكن تناولها في عمل درامي، وكذلك بعض الشخصيات السياسية والدينية والتاريخية تستحق تسليط الضوء عليها وتقديمها ليس إلى الأجيال الحديثة بل إلى العالم بأسره، وما قدمه الأديب الفلسطيني الراحل وليد سيف، مع المخرج السوري الراحل حاتم علي، إلا دليل على إمكانية تحقيق إنتاج مثل تلك الأعمال.
ويمكن العودة إلى المكتبة العالمية والإسلامية والعربية والكويتية حيث تحويل الروايات إلى أعمال درامية راقية خصوصاً في الكويت التي تعاني من ندرة وضعف النصوص الدرامية وهي حالة فنية تعاني منها معظم الدول العربية، خصوصاً أن هناك أربع بيئات في الكويت هي البحر والمدينة والصحراء والقرية، وفي كل بيئة هناك سلسلة طويلة من القصص الواقعية التي يمكن أن تكون عناصر مادة درامية متى ما وجدت المؤلف المتميز وكاتب السيناريو المحترف والمخرج ذو الرؤية الثاقبة وكذلك المنتج الواعي لنوعية تلك الأعمال.
وأتمنى من وزارة الإعلام والمعهد العالي للفنون المسرحية ونقابة الفنانين بمشاركة الفنانين والمخرجين والمنتجين والنقاد تنظيم ندوة من شأنها أن تعمل على معرفة مكان الداء والدواء لتلك الظاهرة المستمرة منذ عقود من الزمن ويبدو أنها سوف تستمر إلى ما لا نهاية!
ولطالما أننا أمة لا تقرأ فإن الفرصة سانحة للقنوات الفضائية لتقديم أمهات الكتب والأحداث التاريخية إلى الجيل الجديد المشغول بالهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث إن هناك أكثر من قناة وثائقية مثل الألمانية التي تبث بعض برامجها على تلفزيون «الراي» وكذلك هناك البي بي سي والفرنسية التي تقدم مادة ثقافية مميزة، ولعمري إننا في الكويت نعاني من شح البرامج الوثائقية.
وكانت قناة الجزيرة الوثائقية ملاذاً حيث إنها قدمت برامج جميلة مسلية ومفيدة لأنها تقدم معلومات كل من شاهدها استشف أن المعدين بذلوا جهداً كبيراً في إعداد كل حلقة، خاصة برنامج يحمل عنوان «مسلمو العصر الفيكتوري»، حيث إنه يتتبع بداية انتشار الدين الإسلامي في بريطانيا والذي يعود إلى حقبة قديمة وليست حديثة كما يعتقد الكثير. إضافة الى برنامج «الرحالة» عن بعض علماء المسلمين أمثال الإدريسي ورحلته الشهيرة إلى صقلية ومؤلفه الخالد «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق»، إضافة إلى حلقة أخرى عن العالم العربي ابن جبير الأندلسي، الذي ولد في إسبانيا وتوفي في مصر. وكذلك أبي البركات العبدري وآخرون أمثال المغربي محمد العبدري الحاحي، عبر برنامج رحالة الذي يتم تقديمه إلى المشاهدين بطريقة درامية رائعة تجمع بين الراوية والتمثيل.
وهناك برنامج آخر على الجزيرة الوثائقية يحمل اسم «قلب مدينة» حيث يتناول بعض المدن العربية العريقة وأهم معالمها الثقافية بمفهومها الشامل من معمار وموروث. إضافة إلى بعض البرامج المعادة منها برنامج يحمل اسم «مقاهي عتيقة»، حيث يتناول المقاهي العربية القديمة وتاريخها في عدد من العواصم العربية العريقة وكذلك يأتي ذكر بعض القصص والشخصيات التي كانت تتردد عليها. إضافة إلى برنامج «قصة طبق»، وكذلك البرنامج المميز الذي يحمل اسم «الحروب الصليبية» التي تقدم مادة تاريخية من قبل أهل الاختصاص العرب والأجانب. وكذلك الأداء الدرامي حيث التمثيل الأمر الذي يجعله برنامجاً جذاباً للمشاهدين والمحتوى راقٍ يلخص مئات الكتب التي تناولت حقبة صلاح الدين الأيوبي وتحرير القدس.
همسة:
الفن رسالة مهمة في بناء مجتمع مثقف قوي في عصر العولمة.