كُتّابنا الأعزاء... كفاكم فضفضة!

صالح الدويخ
صالح الدويخ
تصغير
تكبير

منذ متى أصبحنا نحن المشاهدين الأبرياء مرغمين على لعب دور المعالج النفسي لبعض كُتّاب الدراما؟ لماذا يبدو أن بعض الأعمال التلفزيونية لم تعد تُكتب لتُمتعنا أو تقدم لنا قصصاً متماسكة، بل تحولت إلى ما يشبه صناديق اعتراف مفتوحة على مصراعيها لعُقد كُتّابها؟

ليس لنا ذنب أن هناك كاتباً درامياً أغلب أعماله تدور حول امرأة طيبة وجميلة وقوية ومستقلة يتخلى عنها زوجها الغبي، الخائن، معدوم الضمير، هل تتغير الحبكة؟ لا، هل تتغير الشخصيات؟ بالكاد، كل الرجال في أعماله إمّا خونة أو بلا قيمة، وكأنه ينتقم على حسابنا... والنتيجة؟ جمهور يردد: والله فهمنا، لكن ماذا عن قصة جديدة؟

هناك صنف آخر من الكُتّاب، ذلك الذي نشأ في منزل تعجّه الجدّات، فقرر أو قررت أن كل الأعمال يجب أن تكون عن الزمن الماضي، لكن بنظرة حنينية متطرفة تجعلك تشعر بأننا نعيش في عصر الجحيم، الشخصيات في مسلسلاته تتحدث كما لو أنها خرجت من كتاب مدرسي من القرن الماضي، والجميع كان شريفاً طاهراً، إلى أن جاء «هذا الجيل الفاسد» وأفسد كل شيء!، المشكلة ليست في تقديم دراما عن الماضي، بل في أنه عمل يقدم ماضياً مُختلقاً، مصبوغاً بمثالية غير منطقية، كأنه عمل ينتقم من الواقع لأن الحياة الشخصية لكاتبه لم تكن كما يتخيل.

وهناك كاتب يرى نفسه فيلسوف عصره، قرر أن يفتح لنا «عقولنا الضيقة» عبر شخصيات تتحدث كأنها تلقي خطبة في ديار مهجورة، لا أحد يتحدث بشكل طبيعي، الجميع يتحدث عن «جوهر الوجود» و«الارتقاء الروحي»، وحتى عندما يكون المشهد عن فتاة تطلب شاورما، تجدها تقول: «أنا لا أطلب الطعام، بل أطلب تصالحاً مع رغباتي الدنيوية»، ثم يدخل البطل في مونولوج عن معنى الجوع في سياق التصوف العميق!

وأخيراً، هناك كاتبة أو كاتب يعتقد أن كل شيء مؤامرة، لا يمكن أن يكون هناك شرير طبيعي في مسلسله، بل هو عميل لمخطط عالمي يسعى لهدم الأخلاق والدين والتقاليد... وين الحبكة؟ بسيطة جداً: البطل وطني، صادق، شريف، لكنه محاط بـ«الخونة والعملاء» في كل مكان، بما في ذلك بائع الفلافل في آخر الشارع الذي يعمل لحساب جهة خارجية! المشكلة ليست في تقديم قصص عن الفساد أو الأزمات، لكن أن تكون كل أعماله أو أعمالها بنفس الفكرة، فهذا يجعل المشاهد يشعر أنه في نشرة إخبارية سياسية، لا مسلسل درامياً.

المشكلة الكبرى أن مثل هذه العُقد الشخصية أو غيرها بشكل عام لا تبقى محصورة في ذهن الكاتب، بل تتحوّل إلى نصوص متشنجة، غير متزنة، تفرض على المشاهد تعاطفاً قسرياً مع مشاكل الكاتب نفسه أو الكاتبة نفسها، بدلاً من أن تقدم له قصة تثير اهتمامه، نحن لا نقول إن الكاتب يجب أن يكون محايداً تماماً، لكن هناك فرق بين أن تضع جزءاً منك في عملك، وبين أن تحوّل العمل إلى تصفية حسابات شخصية أو جلسة علاج جماعي.

عزيزي الكاتب، عزيزتي الكاتبة... نحب القصص الجيدة، لكننا لسنا مُلزمين بحمل أمتعتكم العاطفية معكم، خذوا وقتكم في العلاج النفسي، ثم عودوا إلينا بدراما حقيقية، لا بفضفضة مغلفة بسيناريو.

نهاية المطاف: الشخصيات المذكورة في المقال أعلاه من وحي الخيال ولا تمت للواقع بصلة، وأي تشابه بينها فهذا صدفة ليس إلّا.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي