خاض معاركه الفكرية دفاعا عن قناعاته الشخصية

فؤاد زكريا... علماني معتدل لم يضيّع جهوده في مهاجمة الآخرين ولم يلجأ إلى الإثارة من أجل شهرة زائلة

تصغير
تكبير
|كتب مدحت علام|

لم يكتسب المفكر العربي الدكتور فؤاد زكريا اهميته، كونه موسوعة ثقافية تحمل افكاره الكثير من الرؤى، التي خدم من خلالها الثقافة العربية، على كل مستوياتها، وليس كونه قامة فكرية، شهدت الكثير من التحولات، الا انها ظلت محتفظة باستقامتها وعلوها وليس من خلال الكتب التي تركها لنا كارث انساني سيظل باقيا.

ولكن الدكتور فؤاد زكريا اكتسب قيمته من ذلك الانسان الذي احتوى كل تطلعاته واحلامه، ودفعه دفعا كي يبدع، ويكتب ويفكر من دون ان ينتظر عائدا ماديا او حتى اجتماعيا، يمكنه من العيش في رغد وهناء، بعيدا عن كل هذه المعاناة التي شهدها خصوصا في ايامه الاخيرة، والتي عاشها مريضا في صمت، وكأنه لم يكن في يوم من الايام قلما نابها، وضميرا نابضاً، وحلما كان يتحقق رويدا على صفحات اوراقه.

ان الحديث عن المفكر فؤاد زكريا سيظل ناقصا، ولن يتمكن كل الكلام الذي نعرفه من الوفاء ولو بقدر يسير مما اعطاه هذا الانسان للحياة.

وما انفقه بسخاء من عمره، وما بذله عن طيبة خاطر من جهد وعناء وسهر وبحث طوال سنوات طويلة كي يضع الاساس الذي اعتمد عليه الفكر العربي في تاريخه، وهو اساس كان بمثابة انطلاقة الفكر العربي نحو المجالات العلمية والادبية والانسانية، وهذه الانطلاقة اسهمت بشكل كبير في اعادة بناء الرؤية العربية، واستشراف ملامح جديدة له، فقد كان الرجل علمانيا معتدلا... لايسعى من فكره - الذي اتخذه مسارا لحياته - في مهاجمة الافكار والايديولوجيات الاخرى، اوتضييع الجهد والوقت والعمر في مهاجمة الآخرين المختلفين معه في وجهة النظر، بقدر ما سعى إلى تقارب وجهات النظر واحترام الآراء المختلفة، ذلك الاحترام الذي جاء في ضميره الانساني متفاعلا أشد التفاعل مع الحياة، ومتواصلا من الفكر لابعد الحدود فلم يلجأ إلى الاثارة من اجل شهرة زائلة اوالمشي ضد التيار على سبيل خلق جدل فارغ لا طائل من ورائه.

ولكنه كان مقدرا لقيمة الفكر، ومتحيزاً للرؤية المتوهجة الواضحة بغض النظر عن قناعته بها، فكان يكفيه ان هذا الفكر مبني على أسس عقلية وقواعد انسانية وليس على دعامات واهية، ومآرب مكشوفة، وجدل مفتعل.



حينما نتحدث عن الراحل الدكتور فؤاد زكريا سنجد اننا امام شخصية مؤثرة عملت في محيط انساني واسع... وبعيدا عن الاضواء التي تخطف المشاعر وتضعها في ايقونة الجحود والشخصانية.

ففي 25 نوفمبر من العام 2006 عاد الدكتور فؤاد زكريا إلى الكتابة بعد توقف طويل، كي تنشر له جريدة الاهرام المصرية مقالا على خلفية التصريحات التي ادلى بها وزير الثقافة المصري فاروق حسني وكان المقال عنوانه «اصمد ياوزيرالثقافة»، ومن ثم فقدطالب في هذا المقال بأن تتاح للمفكرين الحرية الكاملة للتعبير عن الرأي... مؤكدا انه لا يوجد في الساحة من يساند المفكرين والمثقفين كي يؤكد بكثير من الحزن: «مصر تضحي بمثقفيها... وهم مستعدون في صناعة القرار والمشاركة في بناء المجتمع».

هكذا كانت صورة المثقف موضوعة امامه وهو يدافع عن حرية الرأي، وان حاله منذ عام 1971 كان حاضرا في ذهنه، حينما دفعته الاحوال العصية على العيش في مصر، ان يستمر في العطاء الابداعي، وهو الرجل البورسعيدي الذي اختار الفلسفة والفكر مجالا لحياته، كي يحصل على الماجستير ثم الدكتوراه في جامعة عين شمس، وكانت له جولاته البناءه في صياغة رؤى جديدة للفكر الانساني من خلال مؤلفاته وترجماته التي كان يختارها من بين نخبة من المبدعين والفلاسفة العالميين، يتوقف عند اعمالهم ليس من خلال الترجمة فقط الى العربية، ولكن باحساس فيلسوف يريد ان يبسط الفكرة بأكبر قدر من الصدق، من اجل وصولها الى المتلقي واضحة، لا غموض يتلبسها ولا تسطيح يصل بها الى حد الضعف.

ولقد كان هذا التضييق سببا في ترك فؤاد زكريا لبلده وقضاء اكثر من 18 عاما في الكويت... وفي حقيقة الامر فلقد وجد زكريا في الكويت الأرض الخصبة التي استطاع فيها ان ينفذ بعضا من مشاريعه الثقافية.

ولعل من اهمها مجلة «عالم المعرفة» التي تولى منصب مستشار تحريرها، وأن هذه السلسلة قد أخذت حظها من الشهرة، بسبب ما تتضمنه من مواضيع قيمة ذات ابعاد فلسفية عدة، وانها الى الآن لا تزال تمشي في المسار الذي خططه لها فؤاد زكريا، رغم انقطاعه عن متابعة هذه السلسلة لسنوات بسبب احواله الصحية.

كما تخرج على يديه في قسم الفلسفة في جامعة الكويت الكثير من الذين معظمهم في مواقع ثقافية متميزة.

وتتضح رؤية الراحل فؤاد زكريا جلية من خلال اسلوبه العلمي الذي اتسم بقدر كبير من التقنية، والاقتراب اكثر من الانسان الذي يتحرك في مشاعره، ويوجه قلمه صوب عالمه المفرط في الفكر.

ولقد كان فؤاد زكريا في كل طرحه ينادي بان يكون للعقل دوره الفاعل في تسيير الحياة، وفق منظومة علمية تتسع لكل الآراء، ولا تسعى للتشدد او الانزواء بفكر محدد، وكان ذلك متوهجا في كتابه «التفكير العلمي» الذي صدر عام 1977 ووضعه النقاد والباحثون، والقراء في المكانة اللائقة به كما اعيد طبعه في اكثر من طبعة، ويتمتع هذا الكتاب بتجارب حقيقية في مسألة التفكير الهادئ البعيد عن الانفعال والتصنع، القريب من مشاعر الانسان الباحث عن نفسه، بمعزل عن الاثارة والعداوة.

لقد كان الدكتور فؤاد زكريا مشغولا بالعقول، مهتما بها، مدافعا عن حقها في التفكير الحر، بعيدا عن الوصاية، او المصادرة، ليقول في حوار اجرته معه جريدة «الشرق الاوسط»، وهو على فراش مرضه الاخير: «العقول لا تتغير من فراغ، فلا معنى لدعوة تغيير طرق التفكير عند الناس اولا، ثم بعد ذلك تغيير الظروف والاوضاع، لان الدعوة بهذا الشكل دعوة معكوسة، فالعقول لا يعاد تشكيلها بقرار فوقي او خطه طويلة المدى، العقول لا تبدأ في التغيير الا بعد ان تتغير الاوضاع من حولها».

وعلى هذا الاساس، فان الدكتور فؤاد زكريا يؤكد على اهمية القرار الحر الذي تصدره العقول في جو صحي سليم، وبعيدا عن القيود، وهذا القرار سيؤدي إلى التغيير المنشود في انماط الحياة المختلفة، ما يسهم في الارتقاء بالمجتمعات والوصول بها إلى مستويات حضارية كبيرة.

فالعقول متى وجدت البيئة المناسبة التي تستوعب افكارها، وتنمو فوق خصوبتها الرؤى من دون تضييق، او مصادرة، فانها في هذه الحال ستنتج ثمارها المطلوبة، وستسهم في المشاركة الفاعلة لعجلة التطور، ولن يتوقف هذا الاسهام طالما ان هذه العقول تجد المساحة الكافية لاستيعاب افكارها، ومن ثم تطبيق هذه الافكار على ارض الواقع، واستلهام التطلعات والاحلام من خلالها، دون خوف او تلويح بالارهاب او المصادرة.

كما يرى الدكتور فؤاد زكريا انه خاض معاركه دفاعا عن قناعاته الفكرية وكشفا لمواقف وتيارات معينة، موضحا انه هو جم هجوما شديدا عقب نشره في جريدة الاهرام عام 1973 مقالا بعنوان «معركتنا... والتفكير اللاعقلي»، حينما انكر على الذين قالوا ان الملائكة كانت تحارب مع الجنوب المصريين في حرب السادس من اكتوبر، مؤكدا ان هذا الانتصار الوحيد على اسرائيل جاء نتيجة لجهد ومثابرة وتدريب وخلافه، وهذا الرأي لم ينكر فيه زكريا اهمية الايمان في تقوية العزيمة، ودفع الجنود في ساحة المعركة إلى خوض الحرب بقوة، وثقة في النصر، ولكنه في الوقت نفسه ينكر التقليل من قيمة الجهد المبذول من اجل النصر.

كما خاض الدكتور فؤاد زكريا معارك فكرية مع الكثير من المفكرين، مثل رده على مقال كتبه الشيخ متولي الشعراوي رحمه الله - علق فيه على رأي محدد إلا ان الشعراوي لم يرد عليه، وتوقفت هذه المعركة الفكرية قبل أن تبدأ.

وهناك معركة شهيرة، خاضها زكريا مع محمد حسنين هيكل حول كتاب «خريف الغضب»، حينما قدم نقده الموضوعي لحقبة جمال عبدالناصر، وفند التجربة الناصرية بشكل عام، ويذكر زكريا في لقائه مع جريدة «الشرق الاوسط» انه وهيكل كانا في زيارة إلى الكويت، وطلب منهما احد معدي البرامج التلفزيونية عقد مناظرة فكرية بينهما الا ان هيكل تجنب هذه المناظرة.

ودارت في دار الحكمة في نقابة الاطباء في مصر مناظرة تاريخية، بينه وبين الشيخين محمد الغزالي ويوسف القرضاوي، دافع فيها زكريا عن العلمانية والتنوير.

ومارس الدكتور فؤاد زكريا النقد المبني على اسس علمية ذات علاقة وثيقة بالفكر، والرؤية الموضوعية للاشياء، بعيدا عن احتكار المؤسسة او التهافت على المناصب. فقد جاء نقده - رحمه الله- في متناول الفكر الانساني، بعيدا عن المصلحة الشخصية، وقريبا جدا من المعاني الراقية للانسانية وهي معان قضى عمره كله مدافعا عنها سائرا في دروبها الوعرة.

لقد عاش الراحل فترة شديدة في ظل رئاسة أنور السادات، ومن ثم فقد انعكست هذه الفترة على كتاباته، كي يكرسها للإنسان الذي يتميز بالعقل، وان اغترابه في الكويت على مدى 18 سنة كانت مرحلة فاصلة، دفعته إلى أن يكون متواصلا مع كتاباته، تلك التي استلهمها من التفكير الطويل في السبل الجديدة، والتي من خلالها يستطيع الإنسان العربي الوصول إلى تطلعاته وأحلامه، ورغم ما حظيت به أعماله الفكرية واصداراته من تعتميم وعدم اهتمام، إلا ان الباحثين عن الحقيقة، وجدوا في هذه الأعمال الكثير من الاجابات على أسئلة تتعلق بالتنوير، والتطور، وعلى هذا الأساس فإن اسهاماته كانت ملموسة - حتى وان كانت غير مباشرة - في تغيير العقلية العربية. ودفعها إلى طرق البحث والتفكير، واجتناب المضي في الطرقات المتشددة غير المرنة، التي تعصف بالحقيقة، وتؤدي إلى كسرها بالقوة، من أجل تحقيق مآرب شخصية، أو الانتصار لفكرة تبدو ضعيفة وغير قابلة للتطبيق على واقع المفترض فيه حرية التعبير وإبداء الرأي.

ونذكر في عام 1998 مشاركة الراحل في ندوة نظمها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بمناسبة مرور 25 عاماً على صدور مجلة «عالم الفكر»، ولقد ناقشت هذه الندوة «حاضر الفكر العربي ومستقبله» ودعت الندوة الأسماء العربية التي لها ثقلها في مسألة الفكر العربي من داخل وخارج الكويت، وشهدت هذه الندوة مشاركة زكريا من خلال تعقيبه على بحث قدمه الدكتور تركي الحمد، وصف فيه المثقف بأنه نخبوي هارب من الحقيقة، وانه يمارس الوصاية على الجماهير، وهو إما موظف دولة وإما مجرد حارس لأفكار، وان دوره التقليدي مع الجماهير، لا يتعدى كونه دور الوصاية وادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة، ولقد عقب الدكتور فؤاد زكريا على هذه الورقة، مؤكدا ان المثقف العربي يمارس دورا حقيقيا في مجتمعه، بتواضع، رافضا ما ذكره الحمد في ان المثقف لديه استعلاء، ولا يتغير مع المتغيرات، وقتها كان الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الدكتور سليمان العسكري.

والدكتور فؤاد زكريا الذي رحل عن دنيانا منذ أيام قليلة مضت عن عمر يناهز 83 عاماً، قضى كل عمره في خصوبة فكرية منقطعة النظير كي يصدر العديد من الكتب هي «التعبير الموسيقي»، عام 1956، و«الإنسان والحضارة» عام 1957، و«نظرية المعرفة والموقف الطبيعي للإنسان» عام 1962، و«مع الموسيقى... ذكريات ودراسات» عام 1970، و«آراء نقدية في مشكلات الفكر والثقافة» عام 1975، و«التفكير العلمي» عام 1978، و«خطاب إلى العقل العربي» عام 1978، و«هربرت مركبوز» عام 1980، و«كم عمر الغضب» عام 1984، و«الحقيقة والوهم في الحركة الإسلامية المعاصرة» عام 1986، و«الصحوة الإسلامية في ميزان العقل» عام 1987، و«آفاق الفلسفة» عام 1988، و«الثقافة العربية وأزمة الخليج» عام 1991، و«العرب والنموذج الأميركي» عام 1991، إلى جانب العديد من الكتب المترجمة منها «ب. موي المنطق وفلسفة العلوم» في جزءين وصدر عام 1962، و«نشأة الفلسفة الطبيعية»، و«العقل والثورة» عام 1970، وغيرها.

ويذكر المؤلف جمال سلطان في كتابه «دفاع عن ثقافتنا» قول الدكتور فؤاد زكريا: «لقد أصبحت العلمانية دفاعية قبل كل شيء، انها تستهدف مقاومة التيار الإسلامي الجارف، ولا تستهدف بناء مشروعها الخاص، انها الآن علمانية سلبية»، ويقول في اعترافه بضعف العلمانية العصرية في المجتمعات العربية: «هكذا نلمس بوضوح الفارق بين التيار الإسلامي المعاصر والاتجاه العلماني الذي يتصدى له، فالتضاد بينهما ليس تضاداً بين مشروعين، إنما هناك مشروع إسلامي من ناحية، ومحاولات دفاعية لنقد هذا المشروع وبيان ضعفه من ناحية أخرى، وهو ليس تضاداً بين أيديولوجيتين، لأن هناك أيديولوجية إسلامية تختلف تياراتها في التفاصيل، ولكن الاتجاه العام والاستراتيجية بعيدة المدى متقاربة، وهناك من جهة أخرى مجموعة من الأيديولوجيات الشديدة التباين، التي لا يجمع بينها سوى رفض الحل السياسي الذي يقترحه التيار الإسلامي».

لقد كان الراحل الدكتور فؤاد زكريا موضوعيا حينما تناول بشيء من الوضوح ضعف العلمانية العربية، التي لم تتمكن من صناعة مشروع خاص بها تسير عبر منظومته، من أجل توضيح الغرض من وجودها في الحياة العربية، ولم يكن خجولاً حينما أكد ان العلمانية انشغلت خلال تاريخها بالدفاع عن نفسها ضد الأيديولوجية الإسلامية، التي لديها مشروع تعمل من أجل تحقيقه، كما ذهب إلى أبعد من ذلك حينما أكد أن العلمانيين يختلفون في تعريف مفهوم التقدم أو النهضة، ولكنهم يتفقون على رفض الأهداف العامة التي يدعو اليها التيار الإسلامي.

وأخضع الدكتور فؤاد زكريا كتابه «التفكير العلمي» إلى أحداث عصرية مرئية، وذات أبعاد متشعبة في الحياة، هذه الأحداث اسقطها على الكثير من الأفكار التي يريد أن يفعّلها في العقول، وبالتالي النظر اليها على أساس أنها الحقيقة المثلى التي يتعين علينا المضي في طرقاتها، وعدم النظر إلى الخلف خشية ضياع الطريق أو تبدل ملامحه أو التجديد المفاجئ والسريع الذي قد يطرأ عليه ونحن في انشغال بالنظر إلى الوراء.

وكان هذا الكتاب بمثابة اللبنة التي يمكن على أساسها استلهام الحياة الجديدة للمجتمعات العربية، من خلال اعمال العقل العلمي في كل ما يحيط بنا، وعدم الانصراف إلى مفاهيم ثابتة، لا تسمح للعقل كي ينمو، ويبتكر ويتجدد.

وأكد زكريا أن كثيرا من العلماء يؤكدون ان أخطر التطورات في عصرنا الحاضر، هي تلك التي تحدث في علم يتقدم بلا ضجيج أو دعاية أو أخبار تنشر على الصفحات الأولى للجرائد، وهو علم الحياة «البيولوجيا»، مؤكدا ان «العلوم البيولوجية أحد الأسس المهمة التي بني عليها اختراع العقول الالكترونية».

وأشار زكريا إلى «ان الخيال العلمي كان منذ وقت بعيد، يجذع أشد الجذع من التلاعب في الطبيعة البشرية، ويصوره بصورة شديدة التشاؤم، مثلما في قصة فرانكشتين، ذلك الكائن المخيف الناتج عن تلاعب العلم في المخ البشري».

وفي سياق حديثه عن العلم، قال: «إن العلم مثلما يعيد اختبار الأمور المسلم بها في الأوساط العلمية أو الشعبية، ويخضعها لمحكمة العقل وحده، لا يعفي نفسه من النقد، فمن الجائز أنه هو نفسه، قد وقع في خطأ، وفي هذه الحالة يتعين على العالم الحقيقي أن يبادر إلى الاعتراف بهذا الخطأ».

 

كان وحيداً في الحلبة!



لم ينتم زكريا الى تيار محدد، حتى العلمانية التي ظهر فيها طوال مشواره الفكري، فقد كان يصطدم دائما مع كل فكرة لا يقتنع بها، سواء جاءت من تياره اسلامي او يساري او شيوعي او ناصري او حتى علماني الى درجة انه وقف وحيدا في الحلبة ولم يجد اي مجموعة او تيار يدافع عنه بشكل جماعي.

كما هو حاصل في سياق التكتلات الحزبية او الفكرية او السياسية، كما انه كان يعمل منفردا حسب ما تمليه عليه افكاره، وحسب ما يوجهه ضميره من دون النظر الى العزلة التي فرضت عليه «بسبب هذا المنهج الذي اتبعه، فقد كان معبرا عن رؤاه بحرية تامة ومن دون ان يضع حدا لذلك».



أزمة الفكر العربي المعاصر



شرح زكريا - بشيء من التفصيل - اسباب ازمة الفكر العربي المعاصر في كتاباته واصداراته، وهذه الاسباب لخصها في أن الفكر العربي المعاصر يعاني من الازدواجية في الفكر النظري، ولا يمكنه التفريق بين النظرية والتطبيق، وان الكتابات العربية الموجهة الى الفكر تكتب بطريقة مثالية وكأن العالم خال تماما من النقص والخطأ، وحينما يأتي وقت تطبيق هذه الكتابات على ارض الواقع، نجدها مخالفة تماما لتلك النظريات الموجودة في مثل هذه الكتابات، فالذين ينادون بالثورية والمثالية هم انفسهم يمارسون الانتهازية في حياتهم العملية، ولقد ذهب زكريا في وصفه للازمة بان هناك ازمة ابداع واخلاق وحالة حقد بين المفكرين العرب.



المعرفة العلمية... ضرورة



من أهم الاسباب التي جعلت الراحل الدكتور فؤاد زكريا يثق في منهجه العلمي في التفكير، تأكيده على أن المعرفة العلمية من ضرورات الثقافة والحضارة لدى كل شعب «وانه من خلال هذه المعرفة العلمية سيتمكن الفرد في المجتمع من التفكير باسلوب يتسم بالعقلانية والموضوعية، بمعزل عن التهوين او التهويل، وعلى هذا الأساس جاءت افكار زكريا في سياق هذا الطرح، الى جانب عدم تخوفه من أي غزو ثقافي، خصوصا الذي قد يأتي من الغرب، لانه في اعتقاده ان الثقافة عمل انساني متراكم، والاخذ منه او التأثر به، لا يؤثر على الثقافة المكتسبة، من المجتمع المحلي.

وانه يعتبر اي غزو ثقافي خرافة، لا يمكن ان يصدقها عقل كون هذا الغزو غير موجود في الأساس.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي