| نادين البدير |
كان للأديبة الكويتية ليلى العثمان تصريحات قبل فترة نشرتها الصحافة السعودية في ما يتعلق برأيها بالرواية السعودية، ذات العبارات قالتها لي حين رأيتها في مؤتمر بالدوحة العام الماضي، حيث كانت متحمسة جدا للأدب وللأسلوب الروائي رافضة أن يبتذل ويتحول إلى جنس وجسد فقط.
ليست ليلى العثمان فقط بل الكثيرون من متابعي الرواية السعودية يعتقدون أن نجاح أكثرها مستمد من اعتمادها الكبير على الجنس والجسد والمحرم والممنوع.
تقول الروائية أثناء زيارتها لمدينة جدة أخيرا : إن معظم الروايات النسائية السعودية الجديدة التي تكتب بأسماء مستعارة أو أسماء رجال هي روايات أخجل من قراءتها لما فيها من أدب مكشوف يعتمد على الجنس للترويج لنفسه.
أعلم أن روايات سعودية قد تركت كل شيء وأفردت كامل صفحاتها لشجون وآهات الجسد. لنزواته ولذاته وحنينه لرغبة حبيسة، كتلك الرواية التي دهشت وأنا أقرأ مطلعها حيث كانت البطلة تصف رغبتها وصفا دقيقا حساسا يتجاوز دائرة العيب والممنوع بالسعودية، ستكتشف مع بداية قراءتك لها أنك تتابع سيناريو لفيلم(بورنو) مكتوب بلغة عربية فصحى.
لكني أعتقد أن هدف الروائية أو الروائي السعودي الذي تنضح كتاباتهما جنسا وحديثا مجنونا عن الجسد، لا يقصدان إخراج مادة روائية متكاملة وقد لا يكون قصدهما التعبير عن غرائزهما أو إباحيتهما بقدر ما يهدفان لتسجيل مرحلة تغييرية في حياة المجتمع السعودي.
كيف للمجتمع المحافظ المنغلق المليء بالممنوعات والمحرمات وثقافة العيب أن يخرج روايات جنسية؟ وكيف يقرأها باهتمام؟
مع ارتفاع نسبة القراءة بشكل ملحوظ في المجتمع السعودي، يدل عليه الكتب والروايات التي تقرأ فور نشرها خاصة إن كانت تحكي مشاكله وهمومه ويدل عليه نسبة الاقبال الكبيرة على معرض الكتاب في الرياض، فإن تلك الروايات تقرأ وتنتشر فورا بين أفراد المجتمع.
تلك مفارقة مثل العديد من المفارقات الأخرى لكن غرابتها تختفي حين يتضح أن الرواية السعودية اليوم لم يعد لها قيمة أدبية فقط، بل قيمة تغييرية، ودور في الحراك الاجتماعي والتطور وغرس صور الليبرالية.
أفراد المجتمع السعودي يريدون لحكاياتهم وقصصهم أن تنشر ويحكي عنها بدلا من إبقائها حبيسة في أرفف الذات.
يريدون للجسد أن يتحول إلى بطل الرواية، يريدون رواية تصور مراحل نموه، شبقه، تعاليه، وجوده، مراحل طمسه، الاعتراف به
وأن كان المقصود تصوير لذات الجسد إلا أن الجسد داخل الرواية السعودية ليس جسدا بالمفهوم العادي له، بل يبدو وكأنه جسد المجتمع بأكمله، يعبر عن وجوده بالصدمات بعض الأحيان وبالصراخ أحيان أخرى في وقت تسير فيه حركة الإصلاح ببطء ممل.
صحيح أن بعض الروايات تفتقد للكمال الأدبي، إذ لا تحتوي على أي خيال يسلبك أو أي وصف يجعلك شاردا سارحا بين الكلمات، أدبيا وروائيا هي لا تأخذك لأي مكان أبعد من زاويتك، ولا تعير أي اهتمام للنسج العريق للقصة كما تفعل الروايات الأدبية الحقيقية.
قد يكون مستحيلا أن يشار إليها أدبيا بالرواية قدر ما يمكننا تسميتها بمقال طويل يحكي قصة مجتمع قمعت رغباته ودفنت ثقافته.
قد ينهيها تاريخ الأدب الروائي فور صدورها لكن تاريخ التغيير المجتمعي السعودي لن ينهيها باعتبارها شاركت بأهم مرحلة من مراحل تغييره وقد تكون مرجعا تاريخيا لما حدث في هذه الفترة بالذات، حيث كان منتهى الطموح أن يحكي الإنسان عن جسده. هذا إن حدث التغيير.
كاتبة وإعلامية سعودية
[email protected]