اقتراح البعض إنشاء شركة متخصصة في الأعمال البحرية يتعارض مع سياسة الترشيق الحالية للدولة
حقل النوخذة البحري... آمال وتحديات
- فكرة دخول الاستثمار الأجنبي ظهرت في 1999 لتطوير حقول الشمال ولم تنجح
- لا نعرف التكنولوجيا الحالية لـ «نفط الكويت»... لكن لن يكون مقبولاً ألا تمتلك أحدث الصيحات
- طموح الشركات العالمية في «حقوق ملكية» تقابله الحكومات بـ«عقود تشغيل» بمقابل نقدي
- لتغييب «حقوق الملكية» تلجأ الحكومات أيضاً إلى «محفزات» لتشجيع الاستثمارات الأجنبية
- رفع الإنتاج بعد «النوخذة» لا يعكس حجمه الفعلي لارتباط الكويت باتفاقيات لتحديده مع «أوبك»
تفاعلت الساحة الاقتصادية، قبل فترة وجيزة، مع إعلان شركة نفط الكويت عن بدء مراحل مشروع الاستكشاف البحري الجديد (حقل النوخذة)، وقد أثار في حينه تداخلات عديدة، بينها اقتراحات بفتح الحقل للاستثمار الأجنبي، وإدخال شركات النفط العالمية إلى البلاد للمشاركة في هذا المشروع الضخم، كونها تمتلك التكنولوجيا الحديثة، وأيضاً إنشاء شركة نفطية متخصصة في أعمال النفط البحرية.
هذه التصورات لمعالجة التحديات التي ستواجه البلاد في سعيها للاستفادة من خيرات حقل النوخذة، الذي أُعلن عن اكتشافه في أغسطس الماضي، ويحتوي على احتياطيات تبلغ 2.1 مليار برميل من النفط الخفيف و5.1 تريليون قدم مكعبة من الغاز، تستدعي مناقشة مثل هذه التحديات المحتملة.
يُعدّ استكشاف حقل النوخذة خطوة بارزة، ونقطة لامعة في تاريخ القطاع النفطي الكويتي المعاصر، مستوحاة من محطات سابقة مهمة، مثل «مشروع الكويت».
وما إن تم الإعلان عن اكتشاف حقل النوخذة، تبارى بعض الاقتصاديين إلى اقتراحات تُبرّر فتح الحقل أمام الاستثمار الأجنبي، مما يستوجب استعراض الصيغة القانونية التي قد تستوعب هذا النوع من الاستثمار في حال اعتماده.
ويجب تالياً، الحديث عن التحديات المحتملة، التي قد تواجه فكرة إنشاء شركة جديدة متخصصة في الاستكشاف البحري، ويتبع ذلك تحليل عن تأثير هذا الاكتشاف على القدرة الإنتاجية النفطية للكويت.
مبررات الاستثمار الأجنبي
كان من ضمن ما اقترحه بعض الاقتصاديين، في شأن خطة استكشاف النفط من حقل النوخذة، ضرورة إدخال شركات النفط العالمية إلى البلاد، للمشاركة في هذا المشروع، كونها تمتلك التكنولوجيا الحديثة التي من شأنها تسريع عمليات الإنتاج.
وهنا أسترجع مشروع تطوير حقول الشمال الذي انطلق في ديسمبر 1999، وسمي آنذاك «مشروع الكويت»، وكان يهدف إلى الاستفادة من الخبرات الأجنبية لاستغلال وتنمية حقول النفط الشمالية، وقد توقف المشروع بسبب زوابع سياسية.
الآن، وبعد مرور نحو 15 عاماً، على «مشروع الكويت»، وبالعودة إلى الاستكشاف البحري الجديد (حقل النوخذة)، يظل التساؤل قائماً: هل لا تزال شركة نفط الكويت تفتقر إلى التكنولوجيا الحديثة لاستكشاف النفط من الحقل بالقدر الذي يستدعي الاستعانة بشركات النفط العالمية؟ في الحقيقة، لسنا على اطلاع على نتائج المسوحات الزلزالية للمنطقة البحرية الجديدة، ولا بتفاصيل طبقات الأرض فيها والنتائج التي أسفرت عنها عمليات الحفر في الآبار الاستكشافية، بالقدر الذي يؤهلنا لتقدير مدى وجود الحاجة الفعلية من عدمه، لاستقدام شركات النفط العالمية.
كما لم نطلع على التكنولوجيا الموجودة لدى شركة نفط الكويت حالياً، على الرغم من علمنا بأن التكنولوجيا النفطية في تطوّر دائم، بالقدر الذي لا يكون مقبولاً ألا نمتلك أحدث صيحات الاستكشاف النفطي.
صيغة الاستثمار الأجنبي في الحقل
معظم شركات النفط العملاقة تكون مدرجة في أسواق المال العالمية، لذلك تسعى عادة إلى إبرام صفقات تنعكس إيجاباً على قيمة أسهمها في البورصة، وهذا لا يحدث إلا إذا كانت الصفقة تعطي الشركة ما يسمى في علم قانون النفط بـ «Title on the reservoir».
لغويا، يقصد بكلمة «Title» عند ترجمتها إلى العربية بـ (الحق)، وفي سياق قانون النفط، يقصد بهذه الكلمة أن شركات النفط الأجنبية تسعى لأن يكون لها حق على الحقول التي تستكشفها.
وفي الحقيقة، يثور الخلاف دائماً بين تلك الشركات وحكومات الدول العربية، حول تحديد نوع هذا الحق. فالشركات المعنية تطمح لأن يكون هذا الحق (حق ملكية)، أي أن تتملك نسبة من إنتاج الحقول التي تستكشافها، فيؤدي ذلك حتماً إلى ارتفاع قيمة أسهمها في البورصة العالمية. أما الدول العربية - في ظل دساتيرها التي تتضمن نصوصاً تجعل الثروة الطبيعة ملك الدولة، وتقرر بأن كل التزام باستثمار موارد الطبيعة لا يكون إلا بقانون - فإن الموافقة على مثل هذه الشروط يوقعها في حرج قانوني. ولذلك، فإن توقيع عقود الخدمات التشغيلية عادةً ما يكون أحد الخيارات المطروحة، والتي يكون فيها المقابل نظير الأعمال التي تقوم بها الشركة الأجنبية مالاً نقدياً وليس عينياً. وفي الحقيقة، خيار عقود الخدمات التشغيلية لا يغري الشركات العالمية للموافقة عليه. ولذلك تأتي الدول العربية عادةً بحزمة من محفزات الاستثمار لتشجيع الاستثمارات النفطي الأجنبي، كالإعفاءات الضريبية، وحق الشركة في شراء حصة من الإنتاج بأسعار مخفضة، وغيرها من المحفزات.
إنشاء شركة جديدة... غير مناسب
أشار بعض الاقتصاديين إلى أن البلاد في حاجة لإنشاء شركة نفطية متخصصة في أعمال النفط البحرية. فمن ناحية قانونية صرفة، تنص المادة 5 من قانون رقم 6 لسنة 1980 بإنشاء مؤسسة البترول، أن للمؤسسة - في سبيل تحقيق أغراضها - أن تؤسس الشركات المساهمة بمفردها وتملك جميع رأسمالها، وأن تشارك في تأسيس الشركات مع غيرها من الشخصيات الاعتبارية، دون حد أدنى لعدد المؤسسين.
وعليه، فإن المؤسسة تملك أن تنشئ شركة خاصة بالاستثمار البحري، إلا أن الأمر في حقيقته يتوقف على الجدوى الاقتصادية من إنشاء مثل هذه الشركة.
ونحن هنا لا نستطيع أن نقيس على تجربة الكويت السابقة في تأسيس شركة الـ ODC التابعة لمؤسسة الكويت، والمختصة في تطوير وتشغيل حقول الشمال، لأن المشروع لم يستمر، لكننا نعلم بأن تطوير حقول الشمال استمر تحت مظلة الـ KOC التي انعقد لها الاختصاص الأصلي في استخراج النفط من مكامنه، أياً كان موقع هذه المكامن، سواء في البحر أو البر.
وبالعودة إلى الجدوى الاقتصادية، لا يفوتنا أن ننوه بخطة إعادة هيكلة القطاع النفطي التي انطلقت حديثا، وأسفرت عن دمج عدد من الشركات النفطية ببعضها، الأمر الذي يجعل خطوة إنشاء شركة نفطية جديدة لا تتناسب مع سياسة الدولة الحالية باتجاه الترشيق.
ارتفاع القدرة الإنتاجية للكويت
ذهب البعض إلى القول بأن هذا الاكتشاف الجديد - وعلى الرغم من كونه يزيد من سعة الاحتياطيات النفطية - إلا أن حجم الاحتياطي من النفط الخام لا يتواكب مع الإنتاج الفعلي، وهو ما يجعل مصافي الكويت المحلية تشتغل بأقل من طاقتها.
ونرى أن من اللازم التذكير بأن الكويت مرتبطة باتفاقيات مع منظمة «أوبك» في تحديد سقف الإنتاج بنسب معينة لا يمكن تجاوزها، وبالتالي، فإن ارتفاع القدرة الإنتاجية للكويت بعد هذا الاستكشاف البحري، لا تنعكس بالضرورة على حجم الإنتاج الفعلي، للسبب المشار إليه.
زوبعة سياسية أطاحت بـ«مشروع الكويت»
كان من أسباب اقتراح استقدام الشركات الأجنبية، أن حقول الشمال - وبسبب طبيعتها الجيولوجية - تصنف على أنها مكامن نفطية صعبة Most Challenging Reservoirs، وواجهت شركة نفط الكويت تحديات كبيرة في استخراج النفط من تلك المكامن، فظهر الاقتراح بأن يتم التعاقد مع شركات النفط الأجنبية، للاستفادة من التكنولوجيا الحديثة التي تمتلكها في استخراج النفط الصعب.
بالتالي، كانت «التكنولوجيا الحديثة»، هي السبب المعلن من قبل الحكومة، آنذاك، لإتمام «مشروع الكويت»، الذي لم يكتب له التمام، بسبب ما صاحبه من زوبعة سياسية يشهد عليها التاريخ النفطي الكويتي.
* أستاذة القانون العام في كلية الحقوق بجامعة الكويت