انكشاف «حزب الله» بدأ في سورية قبل 12 عاماً
إسرائيل حاولت اغتيال نصرالله 3 مرات وبايدن رفض استهدافه بعد هجوم 7 أكتوبر
حاولت إسرائيل اغتيال الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، ثلاث مرات، في حربها مع الحزب عام 2006...
فقد فشلت إحدى الضربات الجوية، حيث كان نصرالله قد غادر المكان في وقت قبل الاستهداف.
وفشلت الضربتان اللاحقتان، في اختراق التعزيزات الخرسانية لمخبئه تحت الأرض، وفقاً لشخصين مطلعين على محاولات الاغتيال، أبلغوا صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية.
وبعد هجمات السابع من أكتوبر، كانت الطائرات الإسرائيلية تتأهب لاغتيال نصرالله لكن إدارة الرئيس جو بايدن ضغطت وأوقفت العملية.
وفي ليلة الجمعة الماضية، تعقب الجيش الإسرائيلي نصرالله إلى مقر بُني عميقاً تحت مجمع سكني في الضاحية الجنوبية لبيروت، وأسقط ما يصل إلى 80 قنبلة للتأكد من مقتله، وفقاً لوسائل الإعلام الإسرائيلية.
ولكن التفاخر الواثق الذي تتحلى به المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية، التي وجهت خلال الأسابيع القليلة الماضية ضربات مدمرة ثابتة إلى أحد أكبر منافسيها الإقليميين، يخفي حقيقة غير مريحة: فبعد ما يقرب من أربعة عقود من القتال ضد الحزب، لم تتمكن إسرائيل من تغيير مسار الأمور حقاً إلا أخيراً.
وما تغير، كما قال المسؤولون الحاليون والسابقون، هو عمق وجودة المعلومات الاستخباراتية التي تمكنت إسرائيل من الاعتماد عليها في الشهرين الماضيين، بدءاً من اغتيال فؤاد شكر، أحد قادة نصرالله، في 30 يوليو، أثناء زيارته لصديق ليس بعيداً عن موقع التفجير الذي وقع يوم الجمعة.
ووصف المسؤولون، إعادة توجيه واسعة النطاق لجهود جمع المعلومات الاستخبارية لإسرائيل بشأن الحزب، بعد الفشل المفاجئ لجيشها الأكثر قوة في توجيه ضربة قاضية للجماعة المسلحة عام 2006، أو حتى القضاء على قياداتها العليا، بما في ذلك نصرالله.
وعلى مدى العقدين التاليين، قامت وحدة الاستخبارات المتطورة 8200، ومديرية الاستخبارات العسكرية «أمان»، باستخراج كميات هائلة من البيانات لرسم خريطة للميليشيات سريعة النمو في «الساحة الشمالية» لإسرائيل.
وقالت ميري إيسين، ضابطة الاستخبارات السابقة، إن هذا يتطلب تحولاً جذرياً في كيفية نظر إسرائيل إلى «حزب الله»، حيث وسعت الاستخبارات نطاق رؤيتها للحزب برمته، ونظرت إلى ما هو أبعد من جناحه العسكري، إلى طموحاته السياسية واتصالاته المتنامية مع الحرس الثوري الإيراني وعلاقة نصرالله بالرئيس السوري بشار الأسد.
وتابعت «يتعين عليك أن تحدد، بهذا المعنى، ما تبحث عنه بالضبط. هذا هو التحدي الأكبر، وإذا تم ذلك بشكل جيد، فإنه يسمح لك بالنظر إلى هذا الأمر بكل تعقيداته، والنظر إلى الصورة الكاملة».
سورية كلمة السر
ومع نمو قوة «حزب الله»، بما في ذلك عام 2012 حيث نشر قوات في سورية لمساعدة الأسد في قمع تظاهرات شعبية، فقد أعطى ذلك إسرائيل الفرصة لاتخاذ قرارها.
وما ظهر كان «صورة استخباراتية» كثيفة على من كان مسؤولاً عن عمليات الحزب، ومن كان يحصل على ترقية، ومن كان فاسداً، ومن عاد للتو من رحلة غير مفسرة. وبينما تم تدريب مقاتلي «حزب الله» بالحرب الدموية في سورية، نمت قوات الجماعة المسلحة لمواكبة الصراع المطول. كما جعل تجنيدهم أكثر عرضة للجواسيس الإسرائيليين الذين ينشرون عملاء أو يبحثون عن منشقين محتملين.
وتقول رندا سليم، مديرة البرامج في معهد الشرق الأوسط في واشنطن: «كانت سورية بمثابة بداية لتوسع حزب الله. وقد أدى ذلك إلى إضعاف آليات الرقابة الداخلية لديه وفتح الباب أمام التسلل على مستوى كبير».
كما خلقت الحرب في سورية نافورة من البيانات، والكثير منها متاح للجمهور لكي يستوعبه جواسيس إسرائيل - وخوارزمياتهم.
وكانت بيانات نعي القتلى، في هيئة «ملصقات الشهداء» التي يستخدمها حزب الله بانتظام، واحدة من هذه الوسائل، وكانت مليئة بمعلومات صغيرة، بما في ذلك البلدة التي ينتمي إليها المقاتل، والمكان الذي قُتل فيه، ودائرة أصدقائه الذين ينشرون الأخبار على وسائل التواصل الاجتماعي.
وكانت الجنازات أكثر كشفاً، حيث كانت تجتذب أحيانا كبار القادة من الظل، حتى ولو لفترة وجيزة. وقال سياسي لبناني سابق رفيع المستوى في بيروت إن اختراق «حزب الله» من قبل الاستخبارات الإسرائيلية أو الأميركية كان «ثمن دعمهم للأسد».
وتابع «كان عليهم الكشف عن أنفسهم في سورية»، حيث اضطرت المجموعة السرية فجأة إلى البقاء على اتصال وتبادل المعلومات مع الاستخبارات السورية، أو مع أجهزة الاستخبارات الروسية، التي كانت تخضع لمراقبة منتظمة من قبل الأميركيين. وكان هذا بمثابة انحراف عن النهج الذي تنتهجه مجموعة كانت تفتخر بقدرتها على صد البراعة الاستخباراتية الإسرائيلية المزعومة في لبنان.
وكان التركيز الموسع لإسرائيل على «حزب الله» في المنطقة مصحوباً بميزة تقنية متنامية، ولا يمكن التغلب عليها - وهي أقمار التجسس والطائرات من دون طيار المتطورة وقدرات القرصنة الإلكترونية التي تحول الهواتف المحمولة إلى أجهزة تنصت.
وتجمع إسرائيل الكثير من البيانات لدرجة أنها لديها مجموعة مخصصة، الوحدة 9900، والتي تكتب خوارزميات تغربل تيرابايتات من الصور المرئية للعثور على أدنى التغييرات، على أمل تحديد جهاز متفجر على جانب الطريق، أو فتحة تهوية فوق نفق أو الإضافة المفاجئة لتعزيزات خرسانية، مما يشير إلى وجود مخبأ.
وبمجرد تحديد هوية أحد عناصر الحزب، يتم إدخال أنماط تحركاته اليومية في قاعدة بيانات ضخمة من المعلومات، التي يتم سحبها من أجهزة قد تشمل الهاتف المحمول لزوجته، أو عداد المسافات في سيارته الذكية، أو موقعه.
ويمكن تحديد هذه المعلومات من مصادر متباينة مثل طائرة من دون طيار تحلق فوق رأسه، أو من كاميرا مراقبة مخترقة يمر بها، وحتى من صوته الملتقط على ميكروفون جهاز التحكم عن بعد في التلفزيون الحديث، وفقاً لمسؤولين إسرائيليين.
وأي انقطاع عن هذا الروتين يصبح بمثابة تنبيه لضابط استخبارات لفحصه، وهي تقنية سمحت لإسرائيل بتحديد القادة متوسطي المستوى لفرق مكافحة الدبابات المكونة من اثنين أو ثلاثة مقاتلين والتي ضايقت القوات الإسرائيلية عبر الحدود.
وفي مرحلة ما، راقبت إسرائيل جداول القادة الأفراد لمعرفة ما إذا كان قد تم استدعاؤهم فجأة تحسباً لهجوم، وفقاً لأحد المسؤولين.
لكن كل واحدة من هذه العمليات تتطلب الوقت والصبر للتطور. وعلى مدى سنوات، تمكنت الاستخبارات الإسرائيلية من ملء بنك أهداف ضخم إلى الحد الذي دفع طائراتها الحربية في الأيام الثلاثة الأولى من حملتها الجوية إلى محاولة تدمير ما لا يقل عن ثلاثة آلاف هدف مشتبه به للحزب، وفقاً لتصريحات علنية صادرة عن الجيش.
ولخلق الظروف لعودة سكان شمال إسرائيل، يبدو أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أطلق العنان للقدرات الهجومية الأكثر تقدماً لدى إسرائيل، وفقاً لمسؤولين مطلعين على العمليات.
وشمل ذلك التفجير غير المسبوق لآلاف أجهزة «البيجر» المفخخة قبل أسبوعين، ما أدى إلى إصابة الآلاف من أعضاء الحزب بالأجهزة ذاتها التي اعتقدوا أنها ستساعدهم على تجنب مراقبة إسرائيل.
وبلغت هذه الأحداث ذروتها يوم الجمعة، باغتيال نصرالله، وهو الإنجاز الذي وافق عليه سلف نتنياهو، إيهود أولمرت، عام 2006، وفشل الجيش الإسرائيلي في تحقيقه.
في الأيام التي أعقبت السابع من أكتوبر، انطلقت طائرات حربية إسرائيلية بتعليمات بقصف موقع كان نصرالله قد عثر فيه عليه من قبل «أمان».
وتم إلغاء الغارة بعد أن طالب البيت الأبيض نتنياهو بذلك، وفقاً لأحد المسؤولين الإسرائيليين.
ويوم الجمعة، يبدو أن الاستخبارات الإسرائيلية حددت موقعه مرة أخرى متوجهاً إلى ما أسماه الجيش الإسرائيلي «مخبأ القيادة والسيطرة»، على ما يبدو لحضور اجتماع ضم العديد من كبار قادة الحزب وقائد إيراني في عمليات الحرس الثوري.
وفي نيويورك، تم إبلاغ نتنياهو على هامش خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث رفض فكرة وقف إطلاق النار مع «حزب الله» وتعهد بالمضي قدماً في الهجوم الإسرائيلي. وقال شخص مطلع على الأحداث إن نتنياهو كان على علم بعملية قتل نصرالله قبل أن يلقي خطابه.
ويقول نتنياهو إن حملة إسرائيل لم تنته بعد.
ولايزال من الممكن أن ترسل إسرائيل قوات برية إلى جنوب لبنان. ولاتزال العديد من قدرات «حزب الله» الصاروخية سليمة.