تخوض إسرائيل في لبنان حرباً وجودية. الموضوع يتعلّق بتهجير نحو 70 ألف إسرائيلي من بيوتهم في الجليل، في مستوطنات قريبة من «الخط الأزرق» مع لبنان.
عدد المهجرين الإسرائيليين يزداد يومياً، خصوصاً مع توسيع الحرب. ماذا إذا استمرّ هؤلاء خارج بيوتهم؟
الجواب أنّ كلّ إسرائيلي بات يشعر بأنّه لم يعد يعيش آمناً في وطن يعتبر ملجأ لليهود. كان مفترضاً بهذا الوطن الذي أقيم على أرض فلسطين وعلى حساب الفلسطينيين، أن يكون ملجأ لكلّ يهودي في هذا العالم.
هل وارد حصول هجرة من إسرائيل مع ما يعنيه ذلك من إزالة لإسرائيل من الوجود؟ ليس ما يشير إلى ذلك في عالمنا هذا الذي يغض الطرف عن كلّ ما تفعله إسرائيل...
من هنا، يبدو واضحاً كلّ الوضوح، أن كلّ إسرائيلي سيجد نفسه، في حال بقاء المقيمين في مستوطنات الجليل الأعلى خارج بيوتهم، مجبراً على التفكير في كيفية الهجرة من إسرائيل.
من هنا أيضاً، تبدو حرب لبنان أهمّ من حرب غزّة. استطاعت حكومة بنيامين نتنياهو، تدمير غزّة عن بكرة أبيها. عليها الآن الانصراف إلى لبنان وتأكيد أن «طوفان الأقصى» لن يتكرّر انطلاقاً من جنوب لبنان.
الأهمّ من ذلك كلّه أنّ على الحكومة الإسرائيليّة التفكير في كيفية ضمان عودة المهجرين من مستوطنات الجليل الأعلى إلى بيوتهم.
لم يستطع «حزب الله»، الذي هو فصيل «الحرس الثوري» الإيراني، فهم أبعاد حرب غزّة. ورط لبنان في حرب لا علاقة له بها.
ذهب إلى أبعد من ذلك، أي إلى تهجير إسرائيليين من مستوطنات في الجليل. هذا ما يفسّر الجنون الإسرائيلي في التعاطي مع لبنان في وقت يبدو جليّاً أنّ لا تراجع إسرائيلياً في ما يخص لبنان من جهة وأنّ حسابات «حزب الله» كانت في أساسها حسابات خاطئة من جهة أخرى.
بغض النظر عن الخسائر التي تعرّض لها «حزب الله»، خصوصاً في ضوء تفجيرات أجهزة «بيجر» ووسائل اتصال أخرى وقتل قياديين في الحزب، من بينهم، إبراهيم عقيل، وتهجير مزيد من أهل الجنوب، لابدّ من التوقف عند نقاط محددة.
في مقدّم هذه النقاط، أنّ ربط لبنان لنفسه بحرب غزّة مغامرة غير محسوبة.
إنّها جريمة أخرى يرتكبها «حزب الله» في حق لبنان واللبنانيين. إنّه ربط لمصير لبنان بالمجهول لا أكثر، خصوصاً أنّ حرب غزّة شبه انتهت، فيما لايزال غير معروف ما الذي يمكن أن يكون عليه القطاع مستقبلاً.
ليس هناك من يريد متابعة حرب غزّة غير نتنياهو الذي يرى أن مستقبله السياسي مرتبط بهذه الحرب. في المقابل، إنّ المؤسسة العسكريّة الإسرائيليّة لا ترى فائدة من متابعة حرب غزّة بعدما دمر القسم الأكبر من القطاع تدميراً كلّياً.
تسعى المؤسسة العسكرية إلى صفقة ما مع «حماس» تستعيد من خلالها الرهائن التي لدى الحركة، وهي رهائن يرفض نتنياهو أن تكون ورقة لدى «حماس» وهو مستعد للتضحية بها.
ما كان مفترضاً في الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصرالله استيعابه منذ البداية أنّ المطلوب الفصل بين لبنان وحرب غزّة بدل أن يكون هناك ربط بين هذا البلد المغلوب على أمره وغزّة.
فوت نصرالله فرصة كبيرة في خطابه الأخير عندما تجاهل وجود القرار الرقم 1701 تجاهلاً كلّياً.
إذا كان هناك خلاف داخل إسرائيل في شأن متابعة حرب غزّة، لا وجود لمثل هذا الخلاف في ما يتعلّق بلبنان والخطر الذي يشكله «حزب الله» على شمال إسرائيل. في النهاية، ليس الحزب سوى أداة لدى «الجمهوريّة الإسلاميّة» في إيران.
إنّها أداة تستخدم في حروب تشنّها إيران في موازاة حرب غزة المستمرّة منذ ما يزيد على 11 شهراً.
من بين النقاط الأخرى التي لابدّ من التوقف عندها أنّ لبنان، بوضعه الداخلي الهشّ على كل المستويات، لا يستطيع خوض حرب مع إسرائيل. كيف يمكن لحزب لبناني، تابع لإيران، جرّ بلد إلى حرب تقوده إلى كارثة أكيدة؟
ما ذنب أهل الجنوب الذين عانوا طويلاً من السلاح الفلسطيني وهم يعانون الآن من سلاح إيران وأسلوبها في التعاطي مع إسرائيل بهدف التوصل إلى صفقة مع الولايات المتحدة؟
يسير لبنان إلى المجهول. صار جزء من أرضه غزّة أخرى. الدليل على ذلك ما حل من دمار بعشرات القرى الجنوبيّة وحجم النزوح منها.
الأكيد أن الموقف الذي تتخذه الحكومة اللبنانيّة التي جعلت «الدويلة اللبنانيّة» تدافع عن «دولة حزب الله» لن يؤدي سوى إلى مزيد من الدمار.
يحصل ذلك في وقت يتبيّن يومياً أن لا قدرة لدى «حزب الله» الذي وضع يده على لبنان على التراجع، بدءاً بإعلان قبوله القرار 1701 ومباشرة تنفيذه على الأرض.
يحتاج التراجع إلى شجاعة كبيرة. لا يعني التراجع اعترافاً بالهزيمة بمقدار ما أن ذلك يمثّل اعترافاً بالواقع، أي بميزان القوى القائم عسكرياً وسياسيّاً في عالم لا يهمّه سوى استرضاء إسرائيل وحمايتها للأسف الشديد.