دعت الحاجة اليوم لوجود عاملة في البيت لأداء الكثير من المهام التي يصعب على الأم القيام بها وحدها، خصوصاً أن الأم اليوم تنشغل في وظيفتها للحاجة إلى ذلك، وبعض الأمهات تعتمد على العاملة بأمور البيت من حيث الطبخ والتنظيف، مع إشرافها على الأولاد، وهو غير داخل في وظيفتها، وللأسف صار بُعد الأم وخروجها يأخذ وقتاً أكبر مع عدم الضرورة كالتسوق، وكثرة الزيارات، وحب التظاهر بين النساء الذي زاد على حده حتى صار وجود العاملة في المنزل جزءاً من حياة الأسرة.
وجود العاملة بشكل دائم مع الطفل يترتب عليه أمور سيئة، وآثار سلبية على نفسية الطفل وسلوكه وتأثره بأخلاقيات وتقاليد غريبة عن مجتمعنا، فإن العاملة اليوم لا تؤدي أعمالها الأساسية كالتنظيف والطبخ فحسب، بل معظم وقتها هو ملازمة الطفل، فصارت تؤدي الدور التربوي للطفل أكثر من أشغال البيت، وفي ذلك ضغط على العاملة، وحتى لو تيسّر لها الوقت لرعاية الولد، فإنها ليست مؤهلة لتربية ورعاية الطفل وفق مبادئنا وتعاليم ديننا، والأشد والأكثر ضرراً أن الطفل قد يتعرّض للأذى والضرب والعنف من تلك العاملات.
نسمع قصصاً ومواقف، ونراها مصورة متداولة بين الناس في الـ«يوتيوب» وغيره، في تعاملها مع الطفل بشكل سيئ وصورة قاسية انتقاماً من الأمهات، ولِما تشعر به من ضغط وأعمال تفوق طاقتها، فتكون سبباً رئيسياً في المعاناة النفسية والاضطرابات السلوكية للطفل؛ لأنه لم يجد طيب المعاملة والحنان الذي يحتاجه من أمه، فلا يمكن أن تحل العاملة مكان الأم أبداً، خصوصاً في هذه السن التي هي بداية التربية، وبداية تعلق الطفل بمن هو أقرب.
على الأم أن تلازم ولدها وتحتضنه ولا تتّكل على أحد في ذلك، ولا يعني ذلك أن تحرم نفسها من العلاقات الاجتماعية وغيرها، فإنها توازن بين البيت وتنظم أوقاتها، وإن كانت مضطرة للمزيد من الوقت لأعمال خارج البيت، فالأولى أن تجعله بين المقربين من الأهل، وإن لم يحصل ففي حضانة آمنة يعمل بها مربيات ثقات تحت إشراف ورقابة لتأمن على طفلها من السوء، فتوفر له ساعات في أيدٍ أمينة، ولا تهمله مع عاملة تسيء له وتسبّب له المضار الجسدية والآثار النفسية التي تبقى معه وتؤثر على حياته المستقبلية، وها نحن اليوم نرى كثيراً من الشباب لا يهتم لأي شيء في حياته وكأنه عاش في بيت مهجور، لم يشعر بوجود من يحتضنه وبات ضائعاً يسير مع أي صاحب ويقلّده، وكان السبب الأساسي في ذلك إهمال الزوج والزوجة للأولاد، لا في الأوقات فقط، وإنما لعدم التقرب المعنوي والاستماع للنصائح والتوجيهات.