إسرائيل تقضي على قيادة «الرضوان» في غارةٍ حملت بدمويّتها مَشاهد غزة
لبنان في فوهة المنعطف الأخطر... الحرب الأوسع بدأت
- سوليفان: الطريقة التي قدّم بها نصرالله خطابه فتحت جبهة الشمال
- عراقجي يؤجل زيارته إلى لبنان «بناء على توصية» نصرالله
هل تَكْفي المرحلةُ الجديدةُ الأعنف التي أطلقتها اسرائيل في سياق الحرب على «حزب الله» وقادته ومنظومات فوق الأرض وتحتها لتحقيق هدفها بإبعاده عن الحدود وفرْض عودة آمنة لمستوطنيها إلى الشمال؟ وهل يمكن لـ «حزب الله» المضيّ في عَدِّ ضرباتِ «تحت الحزام» و«على الرأس» المتلاحقة وفي العضّ على الجِراح وامتصاص الصدمات تحت عنوان «إحباط الهدف - الفخ» لتل أبيب بجرّه ومن خلفه إيران إلى حرب شاملة تكون الولايات المتحدة على مقلبها الآخَر؟
سؤالان بدا الجوابُ عنهما كفيلاً بتحديد اتجاهات الريح اللاهبة التي أخرجت حريقَ جبهة جنوب لبنان عن كل «الخطوط الحمر» التي حكمتْها منذ 8 أكتوبر الماضي وحطّمتْ معها إسرائيل كل قواعد الاشتباك التي كان «حزب الله» يملك الأسبقية في ترسيمها، ليصبح البابُ الأخير الذي يقف أمام فتْح الجبهة على مصرعيها وتالياً زجّ المنطقة في أتون الحرب الكبرى هو حفاظ الحزب، ولو اضطرارياً وأقله حتى ظهورِ العكس، على «قواعد الضوابط» التي اختارها، حتى بدا أنه وتل أبيب يخوضان مواجهةً على مسرحين مختلفين: تقليديّ وكأن الحزب «عالق» فيه، وغير تقليدي تمارس فيه إسرائيل حروباً سيبرانية وتكنولوجية حوّلت معها الاتصالات ما يشبه «أسلحة بيولوجية» نشرت معها الدم والموت «الشامل»، بالتوازي مع جرائم الحرب المتعارَف على تعريفها ضدّ مدنيين تحت ستار شطْب «أهداف عسكرية».
ولم يستفق لبنان و«حزب الله» من هولِ الضربات الكبيرة والمؤلمة التي سجّل «عدّادُها» منذ الثلاثاء حتى الجمعة 3 عمليات بدتْ في سياقِ إجراءاتٍ متسلسلةٍ ترجمةً لقرار اسرائيل بـ «نقْل الثِقل الى جبهة الشمال»، ولم يسبق لـ «حزب الله» أن تعرّض لها في عقود صراعه مع تل أبيب وبعضها «لأول مرة في تاريخ الحروب»: مجزرة «البيجر»، ثم مذبحة أجهزة اللاسلكي المحمول، وصولاً إلى كارثة الإغارة على الضاحية الجنوبية لبيروت واغتيال القيادة العليا بكاملها لقوة «الرضوان»، وهي وحدة النخبة في «حزب الله»، من رأسها ومؤسسها إبراهيم عقيل الى مسؤولين آخَرين فيها وقادة أبرزهم أحمد محمود وهبي، ومعهم عشرات من المدنيين سَقَطوا بين ضحايا وجرحى.
وتوزّعت الأنظار أمس، بالتوازي على مسرح الجريمة المروّعة، التي اعتُبرت نسخةً من الإبادات الجَماعية الكثيرة التي ارتكبتْها اسرائيل وما زالت في قطاع غزة، كما على خفايا ما يشي بأنه «انهيار» جدران الحماية والأمان عن كل منظومات «حزب الله»، الاتصالات، القيادة والسيطرة وصولاً إلى الصف القيادي، وتالياً ارتداداتُ نجاح تل أبيب في «التوغّل» إلى أعمق عمقٍ وتسديد ما يشبه «الطعنات في الصدر»، على تَماسُك الحزب ومدى قدرته على استيعاب الضربات والانتقال الى «الهجوم المضاد».
ففي الضاحية الجنوبية، كانت المأساةُ الإنسانية توازي حجمَ الخسارة «القيادية» لـ «حزب الله»، بعدما لم تتورّع إسرائيل عن استخدامِ طائراتٍ حربية طراز «إف - 35» لشنّ غارة على دفعتين، طالت أولاً مبنى مؤلّفاً من 8 طبقات قامت بتدميره، قبل أن «تَنْفذ» منه بالدفعة الثانية من الصواريخ الثقيلة والارتجاجية الخارقة للتحصينات إلى طوابقَ سفلية حيث كان اجتماع قيادة «الرضوان» ما أدى إلى موجة دمار شملت أبنية ملاصقة، وسقوط 37 شخصاً (نعى «حزب الله» 17 منهم) بينهم ما لا يقلّ عن 3 أطفال (4، 6 و10 سنوات) و7 نساء وعائلات بأكملها ونازحون كانوا غادروا قرى الحافة الحدودية، و68 جريحاً، بالتوازي مع أكثر من 20 مفقوداً وأشلاء تحتاج للتعرف على أصحابها.
«مثلث الموت»
وفي حين بات مجموع ضحايا اعتداءات الثلاثاء (تفجير البيجر الملغوم) والأربعاء (تفجير «ايكوم» وبطارياته المفخخة) والجمعة 76 (حصيلة غير نهائية) و3 آلاف جريح (نحو 200 منهم حالاتهم حرجة)، استمرت طوال يوم أمس عمليات البحث ورفْع الأنقاض وسط حالٍ من الذهول والصدمة بين السكان وفي عموم لبنان جراء الخشية من أن يكون «مثلث الموت» الذي رسمته إسرائيل «بدم بارد» وضغطت على زرّه مجرّد موجة سبّاقة لعواصف أعتى تُحَوِّل معها البلاد «غزة ثانية» وإن مع حصْر الاعتداءات بـ «حزب الله» وبيئته.
وعلى المقلب «التنفيذي» لغارة الجمعة، التي أرادتْ اسرائيل من خلالها «قَطْعَ الذراع البرية» لـ «حزب الله» والوحدة التي تشكل نقطة القوة الأبرز فيه ومحطّ القلق من توغُّلٍ لطالما تَحَسَّبت له تل أبيب في اتجاه الجليل وترتكز عليه للدعوة إلى إبعاد الحزب و«الرضوان» تحديداً عن الحدود إلى شمال الليطاني، تطايرت الأسئلة التي ربما ستبقى في غالبيتها بلا أجوبة وأبرزها:
- كيف نجحتْ اسرائيل في كشْف قيادة «الرضوان» ومكان اجتماعها، وما هو الخرق البشري الذي أتاح لها تحقيق إنجاز باهر على المستوى الاستخباراتي؟
- ما سرّ عدم نجاح «حزب الله» منذ اغتيال صالح العاروري في الضاحية (مطلع 2024) ثم رئيس أركان الحزب فؤاد شكر في 30 يوليو الماضي، في استعادة «توزانه الأمني» الذي ظهر اختلاله الأخطر بمجزرتي الثلاثاء والأربعاء، والأخطر فيه ما ذُكر في اسرائيل عن أن إبرهيم عقيل كان أحد جرحى تفجيرات «البيجر» وأنه خرج من المستشفى صبيحة الجمعة إلى الاجتماع القيادي؟
- ما الذي جَعَل الحزب يَطمئن إلى عقد اجتماع نادر لقيادة «الرضوان» وفي قلب الضاحية في غمرة التحفّز الاستخباراتي – الأمني الاسرائيلي، وهو (الى جانب أصوات تعالت داعية الحزب لتجنب عقد اجتماعات عسكرية في معاقل مدنية) الأمر الذي عمّق تقديم الحزب في صورة العاجز عن وقف حلقات هذا المسلسل شبه اليومي من الضربات وعن التقاط الأنفاس، وعن كونه بات في «مصيدة» كاملة، يستعيض عن «تواصل الاتصالات» بلقاء «وجهاً لوجه» فإذ بإسرائيل تباغته بـ «إنزال تحت الأرض».
وحتى الرواية الاسرائيلية عن عملية الاغتيال التي نفّذتها في منطقة الجاموس - الضاحية الجنوبيّة، عزّزت المخاوف من حجم الانكشاف الأمني لـ «حزب الله»، حيث أوردت الإذاعة الإسرائيلية أن «مصدراً استخبارياً موثوقاً» نقل معلومة بشأن اجتماع قادة الرضوان، ما جعل الجيش ينفّذ عملية الاغتيال.
وأوردت أنّ خطة الاغتيال تمّ إعدادها بشكل فوريّ، وفي وقت قصير، وصدّق عليها رئيس هيئة الأركان هيرتسي هاليفي، لافتةً إلى أنّ خطة الاغتيال تمّ تحديد موعدها ووُضعت حيّز التنفيذ في وقت قصير.
وعلى وقع تعميق اسرائيل ضرباتها الجوية ضدّ «حزب الله» حيث نفّذت أمس حزاماً نارياً بلغ منطقة البقاع الغربي بأكثر من 100 غارة في وقت قصير أعلنت أنها دمّرت فيها «نحو 180 هدفاً وآلافاً من فوهات إطلاق الصواريخ جنوب لبنان»، بالتوازي مع إعلان إغلاق المجال الجوي لمدة 24 ساعة «بهدف إتاحة المجال لمقاتلات إف - 35 التصدي لأسراب مسيّرات قد يطلقها الحزب»، لم يكن ممكناً التكهّن بـ «الخطوة التالية» للأخير الذي تقسو عليه تل أبيب ولكنه يبدو واقعياً عالقاً «بين فكي كماشة»: إما الاستمرار «بتجرُّع سمّ» الضربات المتدحرجة لاعتباراتٍ يدخل فيها عدم رغبة طهران ولا قدرتها على الانزلاق الى مواجهة كبرى وغير متكافئة ستكون فيها واشنطن جنباً الى جنب مع إسرائيل، وتالياً الإفساح أمام تل أبيب لمزيد من قضْم النقاط وتآكُل الهيبة والردع، وإما اختيار ردّ الصاع صاعين بحيث ينجّر إلى حيث يريد نتنياهو لمحاولة تحقيق «ضربةٍ قاضية».
وفي وقت بدأت بعض الأوساط تطرح علامات استفهام حول هل يكون خروج الحزب عن تحفّظه في ضرباته - التي بقي فيها أمس ورغم توسيع حلقة النار بين الجولان المحتل وشمال إسرائيل وصولاً إلى صفد على ضوابط استهداف مواقع وتجمعات عسكرية - وتالياً عدم ممانعة أن يخوض حرباً أوسع مع تل أبيب «السلّمَ» لنزولٍ عن شجرة ربْط جبهة الجنوب بغزة عبر تسهيل تقديم تنازلاتٍ تحت وابل الضربات المتبادلة الأشمل، استوقف دوائر مراقبة 3 نقاط:
«أيام معقدة»
- أوّلها مضيّ اسرائيل في مسار فرْض عودة السكان الى الشمال بالقوة وبأي ثمن، وهو ما عبّر عنه ما كشفه مسؤول اسرائيلي أمس، بعد اجتماع مع قائد القيادة الشمالية من أنه «طُلب منا الاستعداد لأيام معقّدة»، وما نُقل عن أن نتنياهو يجري مشاورات أمنية مكثفة وأن مصادر «تتحدث عن خطوة عسكرية جديدة على جبهة لبنان خلال ساعات»، بعدما كان وزير الدفاع يوآف غالانت توعّد بعد غارة الجمعة «الأعداء» بأنهم لن يجدوا «ملاذاً... حتى في الضاحية ببيروت».
- والثاني تغطية واشنطن ضمناً توسيع اسرائيل ضرباتها في لبنان، وفق ما ظهّره موقف مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، الذي اعتبر «أن الطريقة التي قدّم بها (السيد حسن) نصرالله خطابه هذا الأسبوع فتحت جبهة الشمال»، معلّقاً على الغارة على الضاحية بأن «عقيل يداه ملطخة بالدماء وإنها نتيجة جيدة أن يتم تقديم الناس للعدالة».
وكان مستشار البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك علّق على مقتل عقيل، معلناً خلال مخاطبته مؤتمر المجلس الإسرائيلي الأميركي في واشنطن «كان عقيل مسؤولا عن تفجير السفارة في بيروت قبل 40 عاماً. لذلك لن يذرف أحد دمعة عليه (...) نقف إلى جانب إسرائيل بشكل كامل في دفاعها عن شعبها وأراضيها ضد حزب الله. نريد تسوية دبلوماسية في الشمال. هذا هو الهدف، وهذا ما نعمل من أجله».
- والثالث موقف إيران من «التجرؤ» الاسرائيلي المتمادي على «حزب الله»، والذي راوح بين إعلان السيد علي خامنئي «ان الردّ على اغتيال اسماعيل هنية وشيك»، وهو ما اعتُبر في إطار محاولة «تخفيف الضغط» عن الحزب و«توسيع رقعة واقي الصدمات» ويعكس وفق خصوم الحزب انه بات في حاجة إلى «جبهة إسناد»، وبين إعلان وزير الخارجية عباس عراقجي «أنّ الهجمات على لبنان واغتيال إبراهيم عقيل هي محاولات من جانب كيان محبط وفاقد للأمل».
- وأفادت «وكالة تسنيم للأنباء» بأنّ عراقجي كان يعتزم السفر إلى لبنان، قبل توجّهه إلى نيويورك، لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولكن تم تأجيل هذه الزيارة إلى موعد آخر «بناءً على توصية السيد نصرالله»، و«لعدم الاستعجال في إجرائها؛ بسبب بعض الاعتبارات».
وفي وقت نُقل عن مسؤولين أميركيين أنهم «يتوقعون تصعيداً كبيراً»، ساد حبْس الأنفاس لبنان حيال ما سيكون والذي بات يراوح «بين السيئ والأسوأ».
قائد جديد لـ «وحدة الرضوان»!
كشفت مصادر «العربية - الحدث»، أنه تم تعيين علي رضا عباس الملقب بـ «الحاج أبوحسين باريش»، قائداً لـ «وحدة الرضوان» خلفاً لإبراهيم عقيل، وعلي موسى دقدوق، مساعداً له.
عقيل ووهبي... من الرعيل المؤسس