د.عبداللطيف الصريخ / زاوية مستقيمة / الزبرقان وحطيئة الزمان

تصغير
تكبير
انطلق الزبرقان بن بدر يوماً إلى عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) شاكياً الحطيئة بأنه هجاه بأبيات، منها:

دع المكارم لا ترحل لبُغْيتها

واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

وعندما سمعها عمر قال للزبرقان: ما أسمع هجاءً ولكنه عتاب ولا أرى به بأساً. المهم أن الزبرقان شاعر متمرس ويعرف المعاني المدفونة في الهجاء، ويعلم يقيناً ما تعنيه تلك المعاني من التشهير به لو اشتهرت على ألسن الناس، خصوصاً أن الشعر كان يعتبر القناة الإعلامية الأقوى في ذلك الزمان، ولربما كانت الوحيدة في تلك العصور، فهو الصحيفة اليومية، والإذاعة، والقناة الفضائية، وموقع الانترنت، كل ذلك في قالب إعلامي واحد، أو بيت من الشعر. وتحت إصرار الزبرقان على موقفه أن تلك الأبيات تتضمن هجاء، استعان عمر بحسان بن ثابت (رضي الله عنهما) لخبرته بمعاني الشعر، فأصدر حسان رأيه المحايد في الأمر قائلاً: يا أمير المؤمنين إن الحطيئة لم يهج الزبرقان ولكنه سَلَحَ عليه (أي بال عليه )، وبلغة عصرنا فقد مَسَحَ فيه البلاط، وفَرَكَ خِشَّتَه بالأرض، بأسلوب فيه من التورية والإيحاء ما فيه. الغريب أن الزبرقان بن بدر كان قد أكرم الحطيئة وأجاره، ولكن أحد خصوم الزبرقان أغرى الحطيئة بأن يلحق به ويهجو خصومه، والحطيئة كشاعر مرتزق مأجور يلهث وراء من يدفع أكثر، كحال بعض كتاب الصحف وبعض القنوات الإعلامية، دون اعتبار لكرامات الناس، أو اعتبارات الجيرة والعشرة أو حسن الخلق.

تروي كتب الأدب أن الحطيئة كان بذيء اللسان،

رقيق الدين، وتلك الأخلاق ليست بغريبة عليه، ولست أستغربها من أمثاله في كل زمان ومكان، فهو دعي في نسبه، وكان سفيهاً حاقداً على المجتمع، حتى وصلت به الحال أن هجا نفسه بعد هجائه لزوجته وأمه وأبيه عندما قال ذات يوم:

أبت شفتاي اليوم إلا تكلما

بسوء فما أدري لمن أنا قائله

أرى لي وجهاً قبح الله خلقه

فقبح من وجه وقبح حامله (!)

في الأفق

قال الإمام الشافعي:

إذا نطق السفيه فلا تجبه

وخير من إجابته السكوت

فإن كلمته فرجت عنه

وإن خليته كمداً يموت





د.عبداللطيف الصريخ

مستشار في التنمية البشرية

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي