مع اقتراب ذكرى المولد النبوي تبدأ مراسم الاحتفال بقراءة القرآن الكريم، ومجالس ذكر ومدح النبي صلـى الله عليه وسلم، وإقامة موائد الطعام وغيرها من قربات في كثير من البلاد الإسلامية، ومما قاله الإمام جلال الدين السيوطي، في رسالة حسن المقصد، في عمل المولد: «إن أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن، ورواية الأخبار الواردة في بداية أمر النبي عليه الصلاة والسلام، وما وقع في مولده من الآيات، ثم يمد لهم سماطاً يأكلونه، وينصرفون من غير زيادة على ذلك، هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها؛ لما فيها من تعظيم قدر النبي عليه الصلاة والسلام، وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف». انتهى قوله.
مجالس وحلقات تذكير الناس بسيرة رسولنا الكريم وأخلاقه وصفاته وكل ما ورد عنه من أقوال وأفعال وبيان أحداث حصلت في عصر رسولنا الكريم بدأت تقل في مجتمعنا، وكذلك في الكليات المتخصصة في العلوم الشرعية، التي يجب أن يتعمق طالب العلم في دراستها، هي منحصرة في مادة واحدة، وبصورة مذكرات أو ورقات مختصرة بشكل مبسط، فلا علم إلا بأسماء زوجاته وأسماء بعض صحابته وأسماء الحروب.
مجتمعنا بحاجة إلى معرفة الشمائل المحمدية والمكارم النبوية ودراسة سيرته وحياته عليه الصلاة والسلام، وهو أهم ما يجب أن يطرح في المجالس والدروس الدينية لزيادة العلم والعمل بها؛ فهي من أعظم وأنفع مجالس الذكر.
قد ينكر البعض تلك المجالس، بقولهم إنه لم يَرِد ذلك في زمن النبي عليه الصلاة والسلام مع صحابته... فالسؤال: هل يحتاج الصحابة داعية يصف سيد المرسلين ويبين ما ورد في زمانه عليه الصلاة والسلام وهو بينهم يسألونه ويتحدثون معه ويقتدون به؟
كما ان رفضهم حضور مجالس السيرة النبوية واستدلاهم بقول: اننا لم نتأكد من تاريخ مولده الذي قد يكون في يوم 12 أو غيره! فإن حلقات ومجالس السيرة النبوية تقام من بداية شهر ربيع الأول إلى نهايته إحياء لذكره في الشهر كله.
وجاء من يحارب تلك الدروس في هذه الأيام ويبعد الناس عنها، ولم ينظروا إلى أقوال القدماء من العلماء التي تحترم الفكر، يقول العلامة ابن تيمية، رحمه الله في الفتاوى: «تعظيم المولد واتخاذه موسماً قد يفعله بعض الناس ويكون لهم فيه أجر عظيم لحسن قصدهم وتعظيمهم لرسول الله». انتهى قوله.
فلا يحق لأحد أن يمنع الناس ويهاجمهم لاجتماعهم في سماع سيرته العطرة والتعبير عن حبه وتوقيره، ومن كان مخالفاً لفكرهم فليس له إلا إبداء الرأي بحدود واحترام، لا أن يتطاول ويكفر ويسب ويلعن، وأي فعل مما يُحدث الفتنة والفرقة.
ومهما حصل تظل الذكرى وما فيها من دروس وحلقات، ومظاهر فرح وسرور، تقام بحرية في بلاد أخرى لما فيها من راحة للقلوب، يقول العلامة ابن القيم، رحمه الله في مدارج السالكين: «الاستماع إلى صوتٍ حَسن في احتفالات المولد النبوي أو أيّة مناسبة دينية في تاريخنا لهو مما يدخل الطمأنينة إلى القلوب». والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وآله وصحبه.